» بمعنى إلّا، أي ما كلّ إلا جميع محضرون لدنيا.. وهذا مثل قوله تعالى :« إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ». والمعنى، أنه إذا كانت القرون الكثيرة التي هلكت لم ترجع إلى الدنيا مرة أخرى. فإن لها رجعة إلى اللّه.. وحضورا بين يديه.. فكل من هلك من الناس راجع إلى اللّه، للمساءلة، والجزاء..
وفى قوله تعالى :« مُحْضَرُونَ » ـ إشارة إلى أن هناك قوة تستدعيهم للحضور بين يدى اللّه، وأن ذلك ليس عن اختيار منهم، ولو كان ذلك كذلك لكان للكافرين وأهل الضلال مهرب إلى عالم الفناء الأبدي، حيث يذهبون ولا يعودون، كي يفلتوا من العذاب الأليم.
وإذا كان الحديث هنا عن المجرمين، فقد كان قوله :« مُحْضَرُونَ » مناسبا لحالهم، التي هم فيها، والتي يمنون النفس بأن لارجعة إلى حياة بعد الموت، كما يقولون :« إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ » (٢٩. الأنعام).
أما إذا كان الحديث عامّا إلى الناس جميعا، مؤمنين وكافرين، فأكثر ما يجىء الحديث عن البعث بالرجعة إلى اللّه، كما يقول سبحانه :« إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى » (٨ : العلق).
وكما يقول سبحانه :« كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ » (٩٣ : الأنبياء).. والرجوع هنا، هو عودة إلى المبدأ الذي بدأت منه رحلة الحياة.. حيث كانت الحياة من عند اللّه، ثم رجعت إليه.."
وهذا دليل على أنه ليس من أهلكه اللّه تركه، بل بعده جمع وحساب، وحبس وعقاب ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة كما قال القائل :
ولو أنّا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حيّ
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيّ
ومضات عامة
قال دروزة :" الآيات متصلة بالسياق السابق اتصالا تعقيبيا كما هو المتبادر. وهو ما جرى عليه النظم القرآني عقب القصص. وقد احتوت تنديدا بالناس الذين لا