ثم يأخذ في استعراض الآيات الكونية التي يمرون عليها معرضين غافلين وهي مبثوثة في أنفسهم وفيما حولهم وفي تاريخهم القديم.. وهم مع هذا لا يشعرون وإذا ذكروا لا يذكرون :«وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ».. وهم يستعجلون بالعذاب غير مصدقين :«وَيَقُولُونَ : مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» وبمناسبة الاستعجال والتكذيب يستعرض مشهدا مطولا من مشاهد القيامة يرون فيه مصيرهم الذي به يستعجلون، كأنه حاضر تراه العيون.
«يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ! ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ؟ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ»..
والحسرة انفعال نفسي على حال مؤسفة لا يملك الإنسان شيئا حيالها، سوى أن يتحسر وتألم نفسه. واللّه سبحانه وتعالى - لا يتحسر على العباد ولكنه يقرر أن حالة هؤلاء العباد مما يستحق حسرة المتحسرين! فهي حال بائسة مؤسفة تنتهي بأصحابها إلى شر وخيم وبلاء عظيم! يا حسرة على العباد تتاح لهم فرصة النجاة فيعرضون عنها، وأمامهم مصارع الهالكين قبلهم لا يتدبرونها ولا ينتفعون بها. ويفتح اللّه لهم أبواب رحمته بإرسال الرسل إليهم الحين بعد الحين ولكنهم يتجافون أبواب الرحمة ويسيئون الأدب مع اللّه :«ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ»..«أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ»..
ولقد كان في هلاك الأولين الذاهبين لا يرجعون، على مدار السنين وتطاول القرون. لقد كان في هذا عظة لمن يتدبر. ولكن العباد البائسين لا يتدبرون. وهم صائرون إلى ذات المصير. فأية حالة تدعو إلى الحسرة كهذا الحال الأسيف؟! إن الحيوان ليرجف حين يرى مصرع أخيه أمامه ويحاول أن يتوقاه قدر ما يستطيع. فما بال الإنسان يرى المصارع تلو المصارع، ثم يسير مندفعا في ذات الطريق؟ والغرور يملي له ويخدعه عن رؤية المصير المطروق!