والقمر قدر له ربك منازل يسير فيها، فتراه يبدو صغيرا دقيقا ثم يكبر فيصير هلالا فبدرا ثم يعود يصغر شيئا فشيئا حتى يصير كالعرجون القديم في الرقة والانحناء والصغر وانظر يا أخى إلى هذه الكواكب السماوية وإلى أبعادها وأجرامها وكثرة عددها وسرعة حركتها، ثم هي بعد ذلك كله في نظام دقيق وعمل وترتيب لا عوج فيه ولا خلل لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل يسبق النهار فيفوته، ولكن يعقبه وإنما جعل اللّه لهذا كله وقتا محددا ونظاما دقيقا فلا يجوز أن تطغى آية الليل (القمر) على آية النهار (الشمس) بل لكل مدة وزمن ونظام لا يعدوه، وكل من النجوم والكواكب في فلك خاص به يسبحون ويجرون، وهذا لا يمنع أن اللّه يولج النهار في الليل، وبالعكس في بعض أيام السنة. أليست هذه من أعظم الآيات الدالة على وجود اللّه وقدرته ؟ !!
وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في ظهور آبائهم ساعة حملوا في فلك نوح المشحون بالخلق، وخلقنا لهم من مثل السفن ما يركبون من السيارات والقطارات والطائرات وغير ذلك! وما أروع هذا التعبير، وما أدق تصويره! وهم في قبضتنا إن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم، أى : فلا مغيث لهم، ولا ينقذون لشيء أبدا إلا لرحمة منا وتمتيع بالحياة الدنيا إلى حين معلوم. (١)
التفسير والبيان :
قوله تعالى :« وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ».
" أي ومن الأدلة على قدرتنا على البعث إحياء الأرض الهامدة التي لا نبات فيها بإنزالنا الماء عليها، فتهتز وتربو وتنبت نباتا مختلفا ألوانه وأشكاله، وتخرج حبا هو قوت لكم ولأنعامكم، وبه قوام حياتكم."
"وهذا شاهد يشهد للمكذبين بالبعث، بأنه أمر ممكن، وإن إنكارهم له يقوم على فهم خاطئ لقدرة اللّه.. فلو أنهم نظروا إلى هذه الأرض الميتة، وكيف يحيى اللّه مواتها، ويبعث فيها الحياة، ويخرج من أحشائها صورا لا حصر لها من الكائنات

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ١٨٣)


الصفحة التالية
Icon