وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة اللّه على ما يعدُ الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال اللّه عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلّا من قبيل الإمهال إلى حين كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السانحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة وَآيَةٌ لَهُمُ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
وقال :"لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة اللّه وكونه بقطع النظر عما أقام اللّه سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا


الصفحة التالية
Icon