والتعبير القرآني عن هذه الظاهرة - في هذا الموضع - تعبير فريد. فهو يصور النهار متلبسا بالليل ثم ينزع اللّه النهار من الليل فإذا هم مظلمون. ولعلنا ندرك شيئا من سر هذا التعبير الفريد حين نتصور الأمر على حقيقته.
فالأرض الكروية في دورتها حول نفسها في مواجهة الشمس تمر كل نقطة منها بالشمس فإذا هذه النقطة نهار حتى إذا دارت الأرض وانزوت تلك النقطة عن الشمس، انسلخ منها النهار ولفها الظلام - وهكذا تتوالى هذه الظاهرة على كل نقطة بانتظام وكأنما نور النهار ينزع أو يسلخ فيحل محله الظلام. فهو تعبير مصور للحقيقة الكونية أدق تصوير.
«وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها».. والشمس تدور حول نفسها. وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها. ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها. إنما هي تجري. تجري فعلا. تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلا في الثانية! واللّه - ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها - يقول : إنها تجري لمستقر لها. هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو سبحانه. ولا يعلم موعده سواه.
وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه. وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء، لا يسندها شي ء، ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم :«ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»..
«وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ».. والعباد يرون القمر في منازله تلك. يولد هلالا. ثم ينمو ليلة بعد ليلة حتى يستدير بدرا. ثم يأخذ في التناقص حتى يعود هلالا مقوسا كالعرجون القديم. والعرجون هو العذق الذي يكون فيه البلح من النخلة.
والذي يلاحظ القمر ليلة بعد ليلة يدرك ظل التعبير القرآني العجيب :«حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ».. وبخاصة ظل ذلك اللفظ «الْقَدِيمِ». فالقمر في لياليه الأولى