«وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ. إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ».. والسفينة في الخضم كالريشة في مهب الريح، مهما ثقلت وضخمت وأتقن صنعها. وإلا تدركها رحمة اللّه فهي هالكة هالكة في لحظة من ليل أو نهار. والذين ركبوا البحار سواء عبروها في قارب ذي شراع أو في عابرة ضخمة للمحيط، يدركون هول البحر المخيف وضآلة العصمة من خطره الهائل وغضبه الجبار. ويحسون معنى رحمة اللّه وأنها وحدها العاصم بين العواصف والتيارات في هذا الخلق الهائل الذي تمسك يد الرحمة الإلهية عنانه الجامح، ولا تمسكه يد سواها في أرض أو سماء. وذلك حتى يقضي الكتاب أجله، ويحل الموعد المقدور في حينه، وفق ما قدره الحكيم الخبير :«وَمَتاعاً إِلى حِينٍ».. (١)
ما ترشد إليه الآيات
أرشدت الآيات إلى ما يأتي :
١ - من الأدلة الدالة على وجود اللّه وتوحيده وكمال قدرته على البعث وإحياء الموتى وغير ذلك : إحياء الأرض الهامدة بالنبات الأخضر، وإخراج الحب منه، الذي هو قوام الحياة وأساس القوت والمعاش.
٢ - ومن الأدلة أيضا خلق بساتين في الأرض من نخيل وأعناب، وتفجير الينابيع في البساتين للأكل من ثمر ماء العيون، أو من ثمر المذكور وهو ثمر الجنات والنخيل، ومن الذي عملته أيدي الناس من الثمار، ومن أصناف الحلاوات والأطعمة، ومما اتخذوا من الحبوب كالخبر وأنواع الحلويات.
وخصص النخيل والأعناب بالذكر، لأنهما أعلى الثمار، كما تقدم.
٣ - تستوجب هذه النعم شكر الخالق المنعم المتفضل، وشكره بعبادته، والإذعان لسلطانه وإرادته.
٤ - يجب تنزيه الخالق عما لا يليق به، والبعد عن صنيع الكفار الذين عبدوا غير اللّه، مع ما رأوا من نعمه وآثار قدرته.

(١) - في ظلال القرآن، ج ٥، ص : ٢٩٦٧


الصفحة التالية
Icon