ومن علمه وقدرته حجة كيدية، يبطلون بها الدعوة التي يدعون إليها.. ولو أنهم كانوا مؤمنين باللّه، معترفين بمشيئته فى خلقه، لاستجابوا لما يدعوهم اللّه إليه، من الإنفاق فى سبيل اللّه.. وفى الإظهار بدل الإضمار فى قوله تعالى :« قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا » بدلا من قالوا ـ كشف عن الوصف الذي هو ملتصق بهم، وهو الكفر" أي وإذا طلب منهم الصدقة، وأمروا بالإنفاق مما رزقهم اللّه على الفقراء والمحاويج، أجابوا المؤمنين استهزاء بهم، وتهكما بقولهم : هؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم : لو شاء اللّه لأغناهم، ولأطعمهم من رزقه، فنحن نوافق مشيئة اللّه تعالى فيهم.
وكان هذا الاحتجاج باطلا، لأن اللّه تعالى إذا ملّك عبدا مالا، ثم أوجب عليه فيه حقا، فكأنه انتزع ذلك القدر منه، فلا معنى للاعتراض. وقد صدقوا في قولهم : لو شاء اللّه أطعمهم، ولكن كذبوا في الاحتجاج بذلك.
وقوله : مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ترغيب في الإنفاق، فإن اللّه رزقكم، فإذا أنفقتم فهو يخلف لكم الرزق ثانيا كما رزقكم أولا، وهو أيضا ذم على البخل الذي هو في غاية القبح، فإن أبخل البخلاء من يبخل بمال الغير، وفي هذا ذم لهم على ترك الشفقة على خلق اللّه.
ومع هذا كله، عابوا الآمرين لهم بالإنفاق واتهموهم بالضلال، فقالوا تتمة لكلامهم : إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي ما أنتم في أمركم لنا بالإنفاق إلا في خطأ واضح، وانحراف عن جادة الهدى والرشاد.
وقوله إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا.. يفيد الحصر. وهذا فهم خطأ من المشركين، لأن حكمة اللّه اقتضت تفاوت الناس في الرزق، فهو يقبض الرزق عمن يشاء، ويبسطه لمن يشاء، وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ [الشورى ٤٢/ ٢٧] فقد أغنى قوما، وأفقر آخرين، وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالعطاء والشكر : فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ


الصفحة التالية
Icon