بعد بيان إعراض الكفار عن التقوى، وامتناعهم من الإنفاق، أبان اللّه تعالى سبب ذلك وهو إنكارهم للبعث، واستعجالهم له، استهزاء به، ثم أوضح أنه حق لا مرية فيه، وأنه سيأتيهم الموت بغتة، وهم في غفلة عنه، وأن البعث أمر سهل على اللّه لا يحتاج إلا إلى نفخة واحدة في الصور.
المعنى العام :
بعد أن أمرهم بتقوى اللّه وخوّفهم أن يحل بهم مثل ما حل بمن قبلهم من المثلات - أعقب هذا بذكر إنكارهم ليوم البعث، واستعجالهم له، استهزاء به وسخرية منه، ثم أتبعه ببيان أنه حق لا شك فيه وأنه سيأتيهم بغتة من حيث لا يشعرون، وإذ ذاك يخرجون من قبورهم مسرعين إلى الداعي ثم ينادون بالويل والثبور، وعظائم الأمور، حين يرون العذاب ويقولون : من أخرجنا من قبورنا ؟ فيجابون بأن ربكم هو الذي قدّر هذا ووعدكم به على ألسنة رسله وسيوفى كل عامل جزاء عمله. (١)
أي ما أنتم أيها المشركون إلا في ضلال مبين حيث تفهمون هذا الفهم العقيم وتقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ !
كان الكفرة يستبعدون قيام الساعة، وتحقق الوعد للمؤمنين والوعيد للكفار والمشركين!! واسمع الجواب من جهته سبحانه وتعالى : ما ينتظرون إلا صيحة واحدة هي النفخة الأولى التي يموت بها أهل الأرض، وهل هم ينتظرون ذلك ؟ لا ينتظرون بل هم مكذبون، ولكن لما كان لا بد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها، هذه الصيحة تأخذهم فيهلكون بعدها فورا، وهم يتخاصمون ويتنازعون في أمور دنياهم أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف ٩٥] فالناس عندها لا يستطيعون وصية في أمر من أمورهم إلى أهليهم، ولا هم يستطيعون الرجوع لهم بل تبغتهم على حين غفلة منهم.