غيرهم.. وفى كل هذا مجال للتنفس عنهم.. وكلّا، فإنه لا متنفس لهم، ولو بالكلمة!!
ومما يضاعف فى إيلامهم وحسرتهم أن يقوم الشهود عليهم بإثبات جريمتهم ـ من أنفسهم، فتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم.. إنهم شهود أربعة، تتم بهم الشهادة على مرتكبى الكبائر..
ولا نسأل كيف تتكلم هذه الجوارح.. إنها تنطق للخالق الذي خلقها.. وفى هذا يقول اللّه تعالى :« وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ (١٩ ـ ٢١ : فصلت).
فليست الأيدى والأرجل وحدها هى التي تنطق وتشهد على أصحابها، بل إن كل جارحة فيهم تشهد عليهم بما كان منها، حتى ألسنتهم تلك التي ختم اللّه عليها.. إنها ستنطق ولكن بعد أن تشهد الجوارح كلها، فلا يكون لهم حجة تنطق بها الألسنة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٢٤ : النور).
وجعل الكلام للأيدي والشهادة للأرجل، لأن أكثر الأفعال تتم بمباشرة الأيدي، كما قال تعالى : وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ [يس ٣٦/ ٣٥] وقال سبحانه : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة ٢/ ١٩٥] أي ولا تلقوا بأنفسكم، والشاهد على العمل ينبغي أن يكون غيره، فجعل الأرجل والجلود من جملة الشهود، لتعذر إضافة الأفعال إليها.
روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - فَضَحِكَ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مِمَّا أَضْحَكُ ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ : مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ : يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ قَالَ : يَقُولُ : بَلَى، قَالَ : فَإِنِّي لاَ أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّي، فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ