وروى أن بعض المشركين كأبى بن خلف والعاص بن وائل السهمي ذهبوا يجادلون النبي - ﷺ - ومعهم عظام بالية قد رمت فقال أحدهم : يا محمد أترى أن اللّه يحيى هذا بعد ما رم ؟ فقال النبي - ﷺ - :« نعم ويبعثك اللّه ويدخلك النّار »
ونزلت هذه الآية وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ أى : ونسى خلقنا إياه من نطفة من منى يمنى ثم صار ذا عقل وتفكير وإرادة.
عجبا لهذا الإنسان وإنكارا لقوله وضربه الأمثال، أى : إتيانه بقصة غريبة عجيبة تشبه في غرابتها المثل، وهي قوله : من يحيى العظام وهي رميم ؟ أتعجب ؟ قل لهم يا محمد : يحييها الذي أنشأها أول مرة فمن قدر على الإيجاد الأول من العدم قادر بلا شك على الإعادة بل هو أهون عليه، وللّه المثل الأعلى، وهو بكل شيء عليم.
يحييها الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون، وكان أهم شيء يدور في أذهانهم، ويعمى بصائرهم أن العظام البالية أصبحت باردة يابسة لا تقبل الحياة، والحياة لا بد لها من حرارة فمن الذي يحيى هذه العظام ؟
واللّه يضرب الأمثال لهم بأنه يجعل من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم من ذلك الشجر الأخضر توقدون. والمشاهد أن الرجل يأتى بشجر (السنط) وهو أخضر مورق فيوقد فيه النار فتلتهب. وصدق اللّه الذي جعل من الشجر الأخضر نارا. وهم يقولون : إن المشهور بذلك شجر المرخ والعفار. كان يتخذ من المرخ الزند الأعلى ومن العفار الزند الأسفل فإذا ما احتكا بشدة أوقدا نارا مع أنهما أخضران يقطران ماء.
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ أو ليس الذي خلق السموات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما بقادر على أن يخلق مثل الإنسان في الصغر والضعف بالنسبة لهما ؟
بلى - نعم - وهو جواب من اللّه تعالى يقرر قدرته على الخلق. وهو الخلاق كثير الخلق. العليم كثير العلم. ومن كان كذلك فلا عجب أن يخلق الإنسان وغيره، إنما


الصفحة التالية
Icon