بمنهجه في التربية غاية التأثر ويحرصون كل الحرص على الالتزام بتوجيهاته فكان الغائب إذا حضر من غيبته يسأل أصحابه عما رأوا من أحوال النبي - ﷺ - وعن تعليمه وإرشاده وعما نزل من الوحي حال غيبته، وكانوا يتبعون خطى الرسول - ﷺ - في كل صغيرة وكبيرة، ولم يكونوا يقصرون هذا الاستقصاء على أنفسهم، بل كانوا يلقنونه لأبنائهم ومن حولهم. " (١)
قال الشيخ محمد رشيد رضا :
" فَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّفْسِيرَ قِسْمَانِ :
(أَحَدُهَمَا) : جَافٌّ مُبْعِدٌ عَنِ اللهِ وَعَنْ كِتَابِهِ، وَهُوَ مَا يُقْصَدُ بِهِ حَلُّ الْأَلْفَاظِ وَإِعْرَابُ الْجُمَلِ وَبَيَانُ مَا تَرْمِي إِلَيْهِ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ وَالْإِشَارَاتُ مِنَ النُّكَتِ الْفَنِّيَّةِ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى تَفْسِيرًا، وَإِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِينِ فِي الْفُنُونِ كَالنَّحْوِ وَالْمَعَانِي وَغَيْرِهِمَا.
(ثَانِيهُمَا) : وَهُوَ التَّفْسِيرُ الَّذِي قُلْنَا : إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ - عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ - هُوَ الَّذِي يَسْتَجْمِعُ تِلْكَ الشُّرُوطَ لِأَجْلِ أَنْ تُسْتَعْمَلَ لِغَايَتِهَا، وَهُوَ ذَهَابُ الْمُفَسِّرِ إِلَى فَهْمِ الْمُرَادِ مِنَ الْقَوْلِ، وَحِكْمَةِ التَّشْرِيعِ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَحْكَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجْذِبُ الْأَرْوَاحَ، وَيَسُوقُهَا إِلَى الْعَمَلِ وَالْهِدَايَةِ الْمُودَعَةِ فِي الْكَلَامِ، لِيَتَحَقَّقَ فِيهِ مَعْنَى قَوْلِهِ :(هُدًى وَرَحْمَةً) وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأَوْصَافِ. فَالْمَقْصِدُ الْحَقِيقِيُّ وَرَاءَ كُلِّ تِلْكَ الشُّرُوطِ وَالْفُنُونِ هُوَ الِاهْتِدَاءُ بِالْقُرْآنِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : وَهَذَا هُوَ الْغَرَضُ الَّذِي أَرْمِي إِلَيْهِ فِي قِرَاءَةِ التَّفْسِيرِ.
وَتَكَلَّمَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَيْضًا عَنِ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ بَيَّنَ عَظِيمَ شَأْنِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ بِمَا مِثَالُهُ : مَثَلُ النَّاطِقِينَ بِالْعَرَبِيَّةِ الْآنَ - مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى نِهَايَةِ بِلَادِ مُرَّاكُشَ - بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرَبِ فِي لُغَتِهِمْ كَمَثَلِ قَوْمٍ مِنَ الْأَعَاجِمِ الْمُخَالِطِينَ لِلْعَرَبِ، وَجَدَ فِي كَلَامِهِمْ - بِسَبَبِ الْمُخَالَطَةِ - مُفْرَدَاتٍ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ. فَهَؤُلَاءِ الْأَقْوَامُ أَشَدُّ حَاجَةً إِلَى التَّفْسِيرِ، وَفَهْمِ الْقُرْآنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْأَوَّلِينَ،

(١) - السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث - (١ / ٢)


الصفحة التالية
Icon