منعهم من قبول الشرائع في الدنيا، والسد الذي خلفهم منعهم عن قبول البعث، انظر إلى قوله تعالى : وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ [سورة فصلت آية ٢٥] والمراد زينوا لهم الدنيا فاغتروا بها، وزينوا لهم الآخرة فكذبوا بها.
وجعلنا من بين أيديهم سدا، ومن خلفهم سدا فأعميناهم عن الحق فهم لا يبصرون وسواء عليهم إنذارك وعدمه - وهذا توبيخ لهم - فهم لا يؤمنون.
هذا شأن من ختم اللّه على قلبه، وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد اللّه! وما ذاك إلا أنه صرف نفسه عن النظر الصحيح والرأى المجرد عن الهوى، البعيد عن ضلال التقليد.
إنما ينتفع بإنذارك الذين يتبعون الذكر، أى : القرآن، ويخشون بالغيب الرحمن، وعلى هذا فالآية تفيد أن المنتفع بالذكر طبقة خاصة، وأما الإنذار العام فالنبي مكلف به سواء اتبعه فيه بعض الناس أم لا، فلا تعارض بين الآية وعموم الرسالة وعموم الإنذار للجن والإنس. حقا لا ينتفع بالإنذار إلا من طرق قلبه ذكر القرآن، وخشي الرحمن بالغيب، أما تلك القلوب المغلقة، والنفوس الميتة التي لا تؤمن إلا بالمادة وأحوالها فلا يمكن أن ينتفعوا بالإنذار، فبشر - كما أنذرت - من اتبعك وانتفع بك بمغفرة واسعة وجنة عرضها السموات والأرض، وبأجر على ذلك كريم.
وإذا سأل سائل عن وقت تحقيق البشارة والنذارة ؟ فالجواب : إن ربك يحيى الموتى ليجازى الكل، ويحقق ما وعده من البشارة وضدها، واللّه يكتب ويحصى ما قدمه الناس وما أخروه من كافة الأعمال، وهو يكتب آثارهم، فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعده من خير وشر يجازى عليها، فالآثار الحسنة من علم ينتفع به، أو تكوين جيل تغرس فيه معاني الإسلام غرسا صحيحا، أو تأسيس بناء نافع كمسجد أو مستشفى، أو عمل خيرى باق.


الصفحة التالية
Icon