وقد جاءت قصة امرأة أبي لهب مفصلة هذا الذي ذكرناه كما ساقها ابن كثير قال: لما قرأ رسول الله ﷺ سورة تبت يدا أبي لهب وتب إلى قوله: ﴿وَ؟مْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ؟لْحَطَبِفِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ جاءت امرأة أبي لهب وفي يدها فهر، ولها ولولة، ورسول الله ﷺ جالس مع أبي بكر رضي الله عنه عند الكعبة فقال له: إني أخاف عليك أن تؤذيك، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى عاصمني منها"، وتلا قرآناً، فجاءت ووقفت على أبي بكر وقالت: إن صاحبك هجاني. قال: لا ورب هذه البنية إنه ليس بشاعر ولا هاج، فقالت: إنك مصدق وانصرفت. أي ولم تره وهو جالس مع أبي بكر رضي الله عنه.
فهل يقال بعدم وجود الحجاب لأنه مستور لم يشاهد، أم أننا نثبته كما أخبر تعالى وهو القادر على كل شيء؟ وعليه وبعد إثباته نقول: ما الفرق بين إثبات حقيقة قوله تعالى؟ هنا: ﴿حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾، وقوله تعالى؟: ﴿وَلَـ؟كِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾؟
ففي كلا المقامين إثبات أمر لا ندركه بالحس، فالتسبيح لا نفقهه، والحجاب لا نبصره.
وقد أوردنا هذه النماذج، ولو مع بعض التكرار، لما يوجد من تأثر البعض بدعوى الماديين أو العلمانيين، الذين لا يثبتون إلا المحسوس، لتعطي القارىء زيادة إيضاح، ويعلم أن المؤمن بإيمانه يقف على علم ما لم يعلمه غيره، ويتسع أفقه إلى ما وراء المحسوس، ويعلم أن وراء حدود المادة عوالم يقصر العقل عن معالمها، ولكن المؤمن يثبتها.