وهناك العمل الجاري في تلك الدول، مما يجعلهم يتناقضون في دعواهم الاشتراك في الماء والنار والكلأ، وذلك في شركات المياه والنور فإنهم يجعلون في كل بيت عداداً يعد جالونات الماء التي استهلكها المنزل ويحاسبونه عليه، وإذا تأخر قطعوا عليه الماء وحرموه من شربه.
وكذلك التيار الكهربائي، فإنه نار، وهو الطاقة الفعالة في المدن فإنهم يقيسونه بعداد يعد الكيلوات، ويبيعونه على المستهلك، فلماذا لا يجعلون الماء والكهرباء، شركة بين المواطنين؟ أم الناس شركاء فيما لا يعود على الدولة، أما حق الدولة فخاص للحكام؟ إنه عكس ما في قضية الفيء تماماً.
حيث إن الفيء والغنيمة الذي جعله الله حلالاً من مال العدو، وهو كسب عام دخل على الأمة بمجهود الأمة كلها، الماثل في الجيش الذي يقاتل باسمها، وجعله تعالى في مصارف عامة في مصالح الأمة، لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
فلله: أي الجهاد في سبيل الله.
وللرسول: لقيامه بأمر الأمة، وكان ﷺ يأخذ نفقة أهله عاماً، وما بقي يرده في سبيل الله.
ولذي القربى. من تلزمه نفقتهم.
واليتامى والمساكين: هذا هو التكافل الاجتماعي في الأمة.
وابن السبيل: المنقطع في سفره، وهذا تأمين للمواصلات.
فكان مصرفه بهذا العموم دون اختصاص شخص به أو طائفة ﴿كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ؟لاٌّغْنِيَآءِ مِنكُمْ﴾.
وإنه لمن مواطن الإعجاز في القرآن. أن يأتي بعد هذا التشريع قوله تعالى؟: ﴿وَمَآ ءَاتَـ؟كُمُ ؟لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـ؟كُمْ عَنْهُ فَ؟نتَهُواْ وَ؟تَّقُواْ ؟للَّهَ﴾، لأنه تشريع في أمر يمس الوتر الحساس في النفس، وهو موطن الشح والحرص، ألا وهو كسب المال الذي هو صنو النفس، والذي تولى الله قسمته في أهم من ذلك، وهو في الميراث.


الصفحة التالية
Icon