وجاء الشافعي وقام في أهل مكة. فقال: سلوني يا أهل مكة عما شئتم أجبكم عنه من كتاب الله. فسأله رجل عن المحرم يقتل الزنبور، ماذا عليه في كتاب الله. فقال: يقول الله تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَـ؟كُمُ ؟لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـ؟كُمْ عَنْهُ فَ؟نتَهُواْ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" الحديث، وحدثني فلان عن فلان، وساق بسنده إلى عمر بن الخطاب، سئل: المحرم يقتل الزنبور ماذا عليه، فقال: لا شيء عليه.
فقد اعتبر سعيد بن المسيب السنة من كتاب الله، والشافعي اعتبر سنة الخلفاء الراشدين من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة رسول الله ﷺ من القرآن، واعتبر كل منهما جوابه من كتاب الله بناء على هذه الآية الكريمة.
وهذا ما عليه الأصوليون يخصصون بها عموم الكتاب، ويقيدون مطلقه.
فمن الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "أحلت لنا ميتتان ودمان. أما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان: فالكبد والطحال" فخص بهذا الحديث عموم قوله تعالى؟: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ؟لْمَيْتَةُ وَ؟لْدَّمُ﴾، وكذلك في النكاح: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا المرأة على خالتها"، وخص بها عموم: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾، ونحوه كثير.
ومن الثاني: قطعه ﷺ يد السارق من الكوع تقييداً لمطلق ﴿فَ؟قْطَعُو؟اْ أَيْدِيَهُمَا﴾، وكذلك مسح الكفين في التيمم تقييداً أو بياناً لقوله تعالى؟: ﴿فَ؟مْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ﴾، ونحو ذلك كثير، وكذلك بيان المجمل كبيان مجمل قوله تعالى؟: ﴿وَأَقِيمُواْ ؟لصَّلو؟ةَ وَآتُواْ ؟لزَّكَو؟ةَ﴾ فلم يبين عدد الركعات لكل وقت، ولا كيفية الأداء، فصلى ﷺ على المنبر وهم ينظرون، ثم قال لهم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وحج وقال لهم: "خذوا عني مناسككم".