قال رحمه الله: قوله تعالى؟: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَـ؟هُمْ يُنفِقُونَ﴾، عبر في هذه الآية الكريمة بمن التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله بعض ما له كله، ولم يبين هنا القدر الَّذي ينبغي إنفاقه، والذي ينبغي إمساكه، ولكنه بين في مواضع أخرى أن القدر الذي ينبغي إنفاقه هو الزائد على الحاجة، وسد الخلَّة التي لا بد منها، وذلك كقوله: ﴿وَيَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ؟لْعَفْوَ﴾، والمراد بالعفو الزائد على قدر الحاجة التي لا بد منها على أصح التفسيرات، وهو مذهب الجمهور ومنه قوله تعالى؟: ﴿حَتَّى؟ عَفَواْ﴾ أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم.
وقال بعض العلماء: العفو نقيض الجهد، وهو أن ينفق ما لا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع.
ومنه قول الشاعر: خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
وهذا القول راجع إلى ما ذكرنا، وبقية الأقوال ضعيفة، وقوله تعالى؟: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى؟ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ؟لْبَسْطِ﴾، فنهاه عن البخل بقوله: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى؟ عُنُقِكَ﴾، ونهاه عن الإسراف بقوله: ﴿وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ؟لْبَسْطِ﴾، فيتعين الوسط بين الأمرين، كما بينه بقوله: ﴿وَ؟لَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾.
فيجب على المنفق أن يفرق بين الجود والتبذير وبين البخل والإقتار، فالجود غير التبذير، والاقتصاد غير البخل فالمنع في محل الإعطاء مذموم، وقد نهى الله عنه نبيه ﷺ بقوله: "ولا تجعَلْ يَدكَ مَغلولةً إلى عُنُقك"، والإعطاء في محل المنع مذموم أيضاً، وقد نهى الله عنه نبيه ﷺ بقوله: "ولا تبسطها كل البسط".
وقد قال الشاعر: لا تمدحن ابن عباد وإن هطلت يداه كالمزن حتى تخجل الديما
فإنها خطرات من وساوسه يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرما


الصفحة التالية
Icon