الثالثة: الإنفاق مع الإيثار على النفس كهذه الآية ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى؟ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ فهي أخص من الخاص الأول.
وتعتبر المرتبة الأولى هي الحد الأدنى في الواجب، حتى قيل: إن المراد بها الزكاة. وهي تشمل النافلة، وتصدق على أدنى شيء ولو شق تمرة، وتدخل في قوله تعالى؟: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾، وتعتبر المرتبة الثالثة هي الحد الأقصى، لأنها إيثار للغير على خاصة النفس، والمرتبة الثانية هي الوسطى بينهما، وهي الحد الوسط بين الاكتفاء بأقل الواجب، وبين الإيثار على النفس وهي ميزان التوسط لعامة الناس، كما بينه تعالى بقوله: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى؟ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ؟لْبَسْطِ﴾. وكما امتدح الله تعالى قوماً بالاعتدال في قوله: ﴿وَ؟لَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾.
وهذا هو عين تطبيق قاعدة الفلسفة الأخلاقية القائلة: "الفضيلة وسط بين طرفين" أي طرفي الإفراط والتفريط. فالشجاعة مثلاً وسط بين التهور والجبن، والكرم وسط بين التبذير والتقتير.
والإنفاق جوانب متعددة، وأحكام متفاوتة، قد بين الشيخ رحمه الله جانباً من الأحكام، وقد بين القرآن الجوانب الأخرى، وتنحصر في الآتي: نوع ما يقع منه الإنفاق، الجهة المنفق عليها، موقف المنفق، وصورة الإنفاق.


الصفحة التالية
Icon