وعليه فلا تتحقق التقوى إلا بمراعاة الجانبين، ولكن مادة التقوى وهي اتخاذ الوقاية مما يوجب عذاب الله تشمل شرعاً الأمرين معاً لقوله تعالى؟ في عموم اتخاذ الوقاية ﴿قُو؟اْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾.
فكان أحد الأمرين بالتقوى يكفي لذلك ويشمله، ويكون الأمر بالتقوى الثاني لمعنى جديد، وفي الآية ما يرشد إليه، وهو قوله تعالى؟ ﴿مَّا قَدَّمَتْ﴾، لأن "ما" عامة كما قدمنا وصيغة قدمت على الماضي يكون الأمر بتقوى الله أولاً بالنسبة لما مضى وسبق من عمل تقدم بالفعل، ويكون النظر بمعنى المحاسبة والتأمل على معنى الحديث: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" فقد ذكره ابن كثير.
فإذا ما نظر في الماضي وحاسب نفسه، وعلم ما كان من تقصير أو وقوع في محظور، جاءه الأمر الثاني بتقوى الله لما يستقبل من عمل جديد ومراقبة الله تعالى عليه ﴿وَ؟للَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، فلا يكون هناك تكرار، ولا يكون توزيع، بل بحسب مدلول عموم "ما" وصيغة الماضي "قدمت" والنظر للمحاسبة.
تنبيه
مجيء "قدمت" بصيغة الماضي حث على الإسراع في العمل، وعدم التأخير، لأنه لم يملك إلا ما قدم في الماضي، والمستقبل ليس بيده، ولا يدري ما يكون فيه، ﴿وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً﴾ وكما في وقوله: "حجوا قبل ألا تحجوا"، وقوله تعالى؟: ﴿وَسَارِعُو؟اْ إِلَى؟ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾، وقوله تعالى؟: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَ؟لَّذِينَ نَسُواْ ؟للَّهَ فَأَنسَـ؟هُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـ؟ئِكَ هُمُ ؟لْفَـ؟سِقُونَ﴾.
بعد الحث على تقوى الله وعلى الاجتهاد في تقديم العمل الصالح ليوم غد جاء التحذير في هذه الآية من النسيان والترك وألا يكون كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ولم يبين هنا من هم الذين حذر من أن يكونوا مثلهم في هذه النسيان، وما هو النسيان والإنساء المذكوران هنا.