وقد جَمَعَ اللهُ بين هذين الوصفين في قوله تعالى: ﴿ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ ]الزمر: ٢٣[فوصف الكتاب كلَّه بأنَّه متشابهٌ ومثاني، فإمَّا أن يكون تنويعًا إلى هذين النوعين، وهما: النظائر المتماثلة، والمثاني في الأنواع؛ وإمَّا أن يكون المراد أنَّ آياته المتماثلة ثُنِّيَتْ فيه في مواضع لحِكَمٍ وفوائد متجدّدةٍ، وسورةُ الفاتحة [ ](١) على المثاني بهذين التفسيرين، لأنَّها تضمنت الأنواع والأقسام المعدّدة [ ](٢) وذكر العبادة والاستعانة، وذكر المغضوب عليهم والضالين، وتضمنت ذكر النظائر المتماثلة، وثُنِّيت فيها كتكرير ﴿ إِيَّاكَ ﴾، و ﴿ الصِّرَاطَ ﴾، و ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾، وتكرير: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ على قول من يقول إنَّ البسملة منها.
فإن قيل: قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي ﴾ ]الحجر: ٨٧[ يدلُّ على أنَّها من جملة المثاني لا كلّها، وفي الحديث: أنَّ النبيَّ - ﷺ - قال في الفاتحة: «هي السبع المثاني».
فالجواب: أنَّ القرآنَ كلَّه أربعةُ أقسامٍ: السبع الطُوَل، والمئون، والمثاني، والمفصّل، كما في «المسند» وغيرِه عن واثلة بن الأسقع أنَّ النبيَّ - ﷺ - قال: «أُعطيتُ مكان التوراةِ السَّبعَ الطُوَلَ، وأُعطيتُ مكان الزَّبورِ المئين، وأُعطيتُ مكان الإنجيلِ المثانيَ، وفُضِّلتُ بالمفصّلِ»(٣).
وقد رُوي نحو ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ وغيرِه.
والسَّبع الطُوَلُ هي: البقرة، وآل عمران، والنِّساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، كذا قال ابنُ عبَّاسٍ وسعيدُ بنُ جبيرٍ، وقيل: إنَّ السابعة: الأنفال وبراءة.

(١) بياض بالأصل بمقدار كلمة أو كلمتين، ولعلها: (مشتملة) أو نحوها.
(٢) بياض في الأصل بمقدار سطر.
(٣) «المسند» (٤/١٠٧).


الصفحة التالية
Icon