وهذه الرِّواية بهذه الصِّيغة قد لا تدلُّ على نفي وُجوبِ الفاتحة في الجُملة، بل على سُقوطِها بالنِّسْيَانِ، فتصيرُ من جُمْلَةِ وَاجبَاتِ الصَّلاةِ التي تجبُ معَ الذِّكْر، وتسقطُ بالسَّهْوِ، كالتسبيحِ في الركوع والسُجود عنده، وهذا أحَدُ قولي الشَّافعيِّ وهو قولُ الحَسنِ والشَّعبيِّ: أنَّ مَنْ نَسِيَ الفاتحةَ سَجدَ للسَّهْوِ؛ وقد رُوي عن عمرَ - رضي الله عنه - صحةُ الصَّلاةِ إذا نَسِيَ الفاتحةَ، ولكن ضَعَّفَ الرِّوايةَ عنه: الإمامُ أحمدُ والبخاريُّ وغيرُهما، ورُوي عن عمرَ خلافُ ذلك، وأنَّه أعاد الصَّلاة.
وإذا قلنا: لا تتعيَّن الفاتحةُ، بل تجزئُ آيةٌ، فظاهرُ ذلك: ولو كانت قصيرةً، ولو كلمةً، وقد يُقال: بل تُحمل هذه الرِّواية على آيةٍ متوسِّطةٍ، لا قصيرة، ولا طويلة.
وقد قال أبو البقاءِ العكبريُّ من أصحابنا في «شرح الهداية» له نحوَ هذا، فإنَّه قال: لم أجد لأصحابِنا في بعضِ الآيةِ التي يجوز للجُنبِ قِراءتُها حَدًّا، وظاهرُ قولِهم: أنَّه يجوزُ ذلك وإن كثرَ البعضُ، وأن(١) بمنزلة آياتٍ متوسِّطة.
قال: والأمرُ مَحمُولٌ عندي على غير ذلك، وهو أن يُحمَلَ البعضُ على مقدارٍ دون آيةٍ متوسِّطةٍ إذا كان كلامًا تامًّا غيرَ متعلقٍ بما قبلَه وبعدَه.
وقال ابنُ عَقيلٍ: إذا قُلنا: لا تتعيّن الفاتحةُ، بل يُعتبرُ أن يأتي بسبعِ آياتٍ فيها عَدَدُ حُروفِها، أوْ بسَبعِ آياتٍ وإن لم تبلغ حرُوفَها، على وجهين.
قال أبو البَركات بنُ تيميَّة: وهذا مخالفٌ لمنصوصِ أحمدَ كما سَبق، وهو سهوٌ، لأنَّ اعتبارَ السَّبعِ من فُروع وجُوبِ الفاتحةِ، لا من القول بعَدم وجُوبِها.
وَقد عادَ ابنُ عَقيلٍ نقضَ(٢) كلامه في مَوضعٍ آخرَ، وقال: تَكفيهِ الآية كما نصَّ عليه أحمدُ.

(١) كذا.
(٢) كذا.


الصفحة التالية
Icon