أحدها: أنَّها نزلت بمكَّة، نُقل عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ وأبي هريرة والأكثرين، حتى قال أبو ميسرة: هي أوَّل سورة نزلت من القرآن بمكَّة، وأنَّها ابتدئت بـ «بسم الله الرحمن الرحيم». خرجه البيهقي في «الدلائل»(١).
وقيل: أول ما نزل: «بسم الله الرحمن الرحيم» منفردة، قال الفخر الخطيب(٢): وهو قول الأكثرين من الذين قالوا: لم تنزل «المدثر» و«اقرأ» أولا(٣). ونقله في موضع آخر عن ابن عبَّاسٍ(٤).
وقيل: أول ما نزل: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: ١]، كما جاء في حديث جابر الصحيح(٥).
وقيل: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾، وهذا هو الصحيح، فإنه لما أنزل عليه: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ رجع فتدثر، فنزل: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾.
والقول الثاني في موضع نزول الفاتحة: أنها أُنزلت بالمدينة. قاله جماعة، منهم مجاهد، روى منصور عن مجاهد قال: إن إبليس رنَّ أربعَ رنَّاتٍ: حين لُعِنَ، وحين أُهبط من الجنَّة، وحين بُعث النبيُّ - ﷺ -، وحين أُنزلت فاتحة الكتابِ، وأُنزلت بالمدينة.
وروى الطَّبرانيُّ في «الأوسط»: حدثنا عُبيد بن غنَّام ثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ ثنا أبو الأَحْوَصِ عن منصورٍ عن مجاهدٍ عن أبي هريرة أنَّ إبليسَ رنََّ حين أُنزلت فاتحةُ الكتابِ، وأُنزلت بالمدينة.
وقال: لم يروه عن منصور إلا أبو الأحوص، تفرّد به أبو بكر بن أبي شيبة(٦).
ورواه سفيان وغيره عن منصور ووقفُوه على مجاهدٍ.
والقول الثالث: أنَّها أُنزلت مرَّةً بمكَّة، ومرَّةً بالمدينة، فهي مكِّيَّةٌ مدنيَّةٌ.

(١) لم أقف عليه بهذا السياق عند البيهقي، وهو عند غيره، وانظر: «دلائل النبوة» له (٢/١٥٨).
(٢) هو الرازي، والمعروف أنه يلقب: (بابن الخطيب) أو (ابن خطيب الري).
(٥) «صحيح البخاري» (٨/٦٧٦-٦٧٧- رقم: ٤٩٢٢).
(٦) «المعجم الأوسط» (٥/١٠٠- رقم: ٤٧٨٨).


الصفحة التالية
Icon