قوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ الْحَمْدُ للَّهِ ﴾، الحمدُ والشكر نظيران ؛ إلا أن الحمدَ أعمُّ من حيث إن فيه معنى المدح من المنعَم عليه ؛ وغيرِ المنعَم عليه ؛ ولا يكون الشُّكْرُ إلا من الْمُنْعَمِ عليه. والشكر أعمُّ من الحمدِ من حيثُ إنهُ يكون من اللسان والقلب والجوارحِ ؛ والحمدُ لا يكون إلا باللسان ؛ ويتبيَّن الفرقُ بينهما بنقيضهما. فنقيضُ الحمد الذمُّ ؛ ونقيضُ الشكر الكفرانُ.
وقولهُ :﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾. الربُّ في اللغة : اسمٌ لِمن يربي الشيءَ ويصلحهُ ؛ يقال لسيد العبد : ربٌّ ؛ ولزوج المرأة : ربٌّ ؛ وللمالك : ربٌّ. ولا يقال : الربُّ معرفاً بالألف واللام إلا لله عَزَّ وَجَلَّ. والله تعالى هو المربي والْمُحَوِّلُ من حال إلى حالٍ ؛ من نُطْفَةٍ إلى عَلَقَةٍ إلى مُضْغَةٍ إلى غيرِ ذلك إلى أجل مسمَّى.
وقوله ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ العالَمُ : جمعٌ لا واحدَ له من لفظهِ ؛ كالنَّفَرِ والرَّهْطِ ؛ وهو اسمٌ لِمن يعقلُ مثل الإنسِ والجنِّ والملائكة ؛ لأنكَ لا تقولُ : رأيتُ عالَماً من الإبِلِ والبقرِ والغنم ؛ إلا أنهُ حُمِلَ اسمُ العالَم في هذه السُّورة على كلِّ ذي رُوحٍ دَبَّ ودَرَجَ لتغليب العُقلاءِ على غيرِهم عند الاجتماعِ. وربَّما قِيْلَ للسَّموات وما دونِها مما أحاطَتْ به : عالَمٌ ؛ كما روي عن النبيِّ ﷺ أنه قال :" إنَّ للهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ألْفَ عَالَمٍ ؛ وَإنَّ دُنْيَاكُمْ مِنْهَا عَالَمٌ ".