قوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾، أي قُلْ يا مُحَمَّدُ للذين كفرُوا سَتُهْزَمُونَ وتُقتلون وتُحشرونَ بعد الموتِ إلى جهنَّم وبئس الفِرَاشِ. قرأ يحيى بنُ وثَّاب وحمزة والكسائيُّ وخَلَفُ بالياءِ فيهما، والباقون بالتَّاء، فمَنْ قرأهُما بالياءِ فعلى الإخبار عنهم أنَّهم يُغلبون ويُحشرون، ومَن قرأها بالتَّاء فعلى الخطاب ؛ أي قُلْ لَهم إنَّكم ستُغلبون وتحشرون.
واختلفَ المفسِّرون في هؤلاءِ الكفَّار ؛ فقالَ مقاتلُ :(هُمْ كُفَّارُ مَكَّةَ، وَمَعْنَاهُ : قُلْ لِكُفَّار مَكَّةَ سَتُغْلَبُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَتُحْشَرُونَ إلَى جَهَنَّمَ فِي الآخِرَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ " الآيَةُ " قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْكُفَّار يَوْمَ بَدْرٍ " إنَّ اللهَ غَالِبُكُمْ وَحَاشِرُكُمْ إلَى جَهَنَّمَ "
وقال الكلبيُّ عن أبي صالحٍ عنِ ابن عبَّاس :(إنَّ الْمُرَادَ بهِمْ يَهُودُ الْمَدِيْنَةِ، وَذَلِكَ أنَّ النَّبيَّ ﷺ لَمَّا هُزِمَ الْكُفَّّّارُ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَتِ الْيَهُودُ : هَذا وَاللهِ النَّبيُّ الأُمِّيُّ الَّذِي بَشَّرَنَا بهِ مُوسَى وَنَجِدُهُ فِي التَّوْرَاةِ بنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ، وَإنَّهُ لاَ تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ، وَأَرَادُواْ تَصْدِيْقَهُ وَاتِّبَاعَهُ ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : لاَ تَعْجَلُواْ حَتَّى تَنْظُرُواْ إلَى وَقْعَةٍ لَهُ أُخْرَى، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ وَغُلِبَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالُواْ : وَاللهِ مَا هُوَ بهِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ فَلَمْ يُسْلِمُواْ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ فَنَقَضُواْ ذلِكَ الْعَهْدَ قَبْلَ أجَلِهِ، وَانْطَلَقَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ فِي سِتِّيْنَ رَاكِباً إلَى أبي سُفْيَانَ بمَكَّةَ وَوَافَقُوهُمْ عَلَى أنْ تَكُونَ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً، ثُمَّ رَجَعُواْ إلَى الْمَدِيْنَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ).
وعن ابن عباس وقتادة أنَّهُمَا قَالاَ :(لَمَّا أهْلَكَ اللهُ قُرَيْشاً يَوْمَ بَدْرٍ، جَمَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْيَهُودَ بسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَدَعَاهُمْ إلَى الإسْلاَمِ وَحَذرَهُمْ مِثْلَمَا نَزَلَ بقُرَيْشٍ مِنَ الانْتِقَامِ، فَأَبَواْ وَقَالُواْ : لَسْنَا كَقُرَيْشٍ الأغْمَارَ الَّذِيْنَ لَمْ يَعْرِفُواْ الْقِتَالَ وَلَمْ يُمَارِسُوهُ، لَئِنْ حَارَبَتْنَا لَنَقْتُلَنَّ رجَالاً، وَتَعْرِفَ الْبَأْسَ وَالشِّدَّةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ). قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾ اشتقاقُ جهنَّم من الْجِهْنَامِ وهي البئرُ البعيدةُ القعرِ.