قوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾ ؛ بيَّنَ الله بهذه الآية إنَّ ما بُسِطَ للمشركين من زَهْرَةِ الدُّنيا وزينَتِها هو الذي يَمنعهم من تصديقِ النبيِّ ﷺ فيما يدعوهم إليه.
والمعنى : حُسِّنَ للناس حبُّ اللَّذات والشهواتِ والمشتهياتِ من النساء والبنين، بدأ بالنساءِ لأنَّهن حبائلُ الشيطان وأقربُ إلى الإفتتان ويحملْنَ الرجالَ على قطعِ الأرحام والآباء والأمَّهات وجمعِ المال من الحلالِ والحرامِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالْبَنِينَ ﴾ قال ﷺ :" هُمْ ثَمَرَةُ الْقُلُوب وَقُرَّةُ الأَعْيُنِ ؛ وَإنَّهُمْ مَعَ ذلِكَ لَمَجْبَنَةٌ مَبْخَلَةٌ "
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ ﴾ مِنَ القناطيرِ، جمع قِنْطَارٍ، واختلفوا فيه، فقال الربيعُ :(الْقِنْطَارُ هُوَ الْمَالُ الْكَثِيْرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ). وقال ابنُ كيسان :(هُوَ الْمَالُ الْعَظِيْمُ). وعن أبي هُريرة : قالَ رسولُ الله ﷺ :" الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ ألْفَ أوْقِيَّةٍ "، وعن أنسٍ :" أنَّ الْقِنْطَارَ ألْفُ مِثْقَالٍ " وعن مُعَاذ :" ألْفٌ وَمِائَتَا أَوْقِيَّةٍ " وعن أنس أيْضاً عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ :" ألْفَا مِثْقَالٍ " وعن عكرمةَ :" مِائَةُ ألْفٍ وَمِائَةُ مَنٍّ وَمِائَةُ رَطْلٍ وَمِائَةُ مِثْقَالٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ " وقيل القنطارُ : ما بينَ السماء والأرضِ من المال، وَقِيْلَ : مِلْءُ مَسْكِ ثورٍ ذهباً وفضَّة، وقال ابنُ المسيَّب وقتادةُ :[ثَمَانُونَ ألْفاً]. وعن مجاهدٍ :[سَبْعُونَ ألْفاً]. وعن الحسنِ أنه قالَ :(الْقِنْطَارُ مِثْلُ دِيَةِ أحَدِكُمْ). وحاصلهُ أن القنطارَ : هو المالُ الكثير.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ الْمُقَنْطَرَةِ ﴾ ؛ قال قتادةُ :(أيِ الْمُنَضَّدَةُ بَعْضُهَا علَى بَعْضٍ). وقال بعضُهم : المقنطرةُ : المدفونةُ. وقال السديُّ :(الْمَضْرُوبَةُ الْمَنْقُوشَةُ). قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مِنَ الذهَب وَالْفِضَّةِ ﴾ سُمي الذهبُ ذهباً لأنه يَذْهَبُ ولا يبقى، والفضةُ لأنَّها تَنْفَضُّ أي تتفرَّقُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ﴾ الخيلُ جمعٌ لا واحدَ له من لفظهِ، واحده فَرَسٌ، والْمُسَوَّمَةِ هي الرواتعِ من السَّوْمِ وهو الرعيُ، قال اللهُ :﴿ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾[النحل : ١٠] أو تكون من السِّيْمَا ؛ وهي العلامةُ من الأوضَاحِ والغُرَّةُ التي تكون في الخيل. وقال السديُّ :[الْمُسَوَّمَةُ : هِيَ الْوَاقِفَةُ]. وقال مجاهدٌ :(الْحِسَانُ) وقال الأخفشُ :[هِيَ الْمُعَلَّمَةُ]. وقال ابنُ كيسان :[الْبُلْقُ].
روي عن عليٍّ رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللهِ ﷺ :" لَمَّا أرَادَ اللهُ أنْ يَخْلُقَ الْخَيْلَ قَالَ لِلرِّيْحِ الْجَنُوب : إنِّي خَالِقٌ مِنْكِ خَلْقاً فَأَجْعَلُهُ عِزّاً لأَوْلِيَائِي ؛ وَمَذلَّةً لأَعْدَائِي ؛ وَجَمَالاً لأهْلِ طَاعَتِي، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهَا فَرَساً وَقَالَ لَهُ : خَلَقْتُكَ وَجَعَلْتُ الْخَيْرَ مَعْقُوداً بنَاصِيَتِكَ ؛ وَالْغَنَائِمَ مَجْمُوعَةً عَلَى ظَهْرِكِ ؛ وَعَطَّفْتُ عَلَيْكَ صَاحِبَكِ ؛ وَجَعَلْتُكَ تَطِيْرُ بلاَ جَنَاحٍ ؛ وَأَنْتَ لِلطَّلَب وَأَنْتَ لِلْهَرَب، وَسَأَجْعَلُ عَلَى ظَهْرِكَ رجَالاً يُسَبحونَنِي وَيَحْمَدُونَنِي وَيُهَلِّلُونَنِي ويُكَبرُونَنِي "