قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ ﴾ ؛ روى أنسٌ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ اللهِ ﷺ :" مَن قرأ شَهِدَ الله أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ عِنْدَ مَنَامِهِ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى مِنْهَا سَبْعِيْنَ ألْفَ خَلْقٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وعن سعيدِ بن جُبير قالَ :(كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاَثُمِائَةٌ وَسُتُّونَ صَنَماً ؛ لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ أحْيَاءِ الْعَرَب صَنَمٌ أوْ صَنَمَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أصْبَحَتْ تِلْكَ الأصْنَامُ كُلُّهَا وَقَدْ خَرَّتْ سُجَّداً).
وعنِ ابن مسعودٍ أنهُ قالَ :[مَنْ قَرَأ ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الاِسْلاَمُ ﴾ وَقَالَ : أنَا أشْهَدُ بمَا شَهِدَ اللهُ بهِ وَأسْتَوْدِعُ اللهَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَهِيَ لِي وَدِيْعَةٌ عِنْدَهُ ؛ يُجَاءُ صَاحِبُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى : عَبْدِي عَهِدَ لِي وَأنَا أحَقُّ مَنْ وَفَّى بالْعَهْدِ، أدْخِلُواْ عَبْدِي الْجَنَّةَ].
ومعنى الآيةِ : قال محمدُ بن السائب الكلبيُّ :" لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بالْمَدِيْنَةِ قَدِمَ عَلَيْهِ حَبْرَانِ مِنْ أحْبَار الْيَهُودِ مِنَ الشَّامِ، فَقَالَ أحَدُهُمَا لِصَاحِبهِ حِيْنَ أبْصَرَ الْمَدِيْنَةَ : مَا أشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِيْنَةِ بمَدِيْنَةِ النَّبيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَلَمَّا دَخَلاَ عَلَى النَّبيِّ ﷺ عَرَفاهُ بالصِّفَةِ وَالنَّعْتِ، فَقَالاَ لَهُ : أنْتَ مُحَمَّدٌ ؟ قَالَ :" نَعَمْ ". قَالاَ : أنْتَ أحْمَدُ ؟ قَالَ :" أنَا مُحَمَّدٌ وَأحْمَدُ ". قَالاَ : فَإنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَإنْ أخْبَرْتَنَا بهِ آمَنَّا بكَ وَصَدَّقْنَاكَ، قَالَ :" اسْأَلُواْ ". قَالاَ : أخْبرْنَا عَنْ أعْظََمِ شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ الله تَعَالَى ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى علَى نَبيِّهِ هَذِهِ الآيَةَ ﴿ شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ ﴾ إلَى آخِرِهَا، فَأَسْلَمَ الرَّجُلاَنِ وَصَدَّقَا برَسُولِ اللهِ ﷺ "
قرأ أبو نُهيك وأبو الشَّعث (شُهُدُ اللهِ) بالمدِّ والرفعِ على معنى : هُمْ شهُدُ اللهِ الذين تقدَّم ذِكرهم. وقرأ المهلَّب :(شَهَدَ اللهُ) بالمدِّ والنصب على المدِّ. والآخرونَ (شَهِدَ اللهُ) على الفعلِ أي قَضَاءُ اللهِ، ويقال : أخْبَرَ اللهُ. وقال مجاهدُ :(حَكَمَ اللهُ). قرأ ابنُ السمؤل :(شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ). وقرأ ابنُ عباسٍ :(إنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ) بكسرِ الألف جعلهُ خَبَراً مستأنفاً، وقال بعضُهم بكسرِه لأنَّ الشهادة قولٌ وما بعدَ القولِ مكسورٌ على الحكايةِ، تقديرهُ : قَالَ اللهُ إنهُ لا إلَهَ إلاّ الله. قال المفضَّل :(مَعْنَى الشَّهَادَةِ (شَهِدَ اللهُ) : الإخْبَارُ وَالإعْلاَمُ، وَمَعْنَى الْمَلاَئِكَةِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ بالإقْرَارِ ؛ كَقَوْلِهِ﴿ شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا ﴾[الأنعام : ١٣٠] أيْ أقْرَرْنَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ ﴾ ؛ معناه الأنبياءُ، وقيلَ : المهاجرونَ والأنصَارُ، وقيل : علماءُ المؤمنين أهلُ الكتاب : عبدُالله بن سلام وأصحابَه، وقال الكلبيُّ والسديُّ :(عُلَمَاءُ الْمُؤْمِنِيْنَ كُلُّهُمْ، فَقَرَنَ اللهُ شَهَادَةَ الْعُلَمَاءِ بِشَهَادَتِهِ، لأنَّ الْعِلْمَ صِفَةُ اللهِ تَعَالَى الْعُلْيَا وَنِعْمَتُهُ الْعُظْمَى، وَالْعُلَمَاءُ أعْلاَمُ الإسْلاَمِ وَالسَّابقُونَ إلَى دَار السَّلاَمِ وَشَرْحُ الأَمْكِنَةِ وَحُجَجُ الأَزْمِنَةِ].