قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَـاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَـاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَـالَمِينَ ﴾، معطوفُ على ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ ﴾، والمرادُ بالملائكة جبريل عليه السلام على ما تقدَّم. ومعنى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَـاكِ ﴾ أي اختارَكِ لطاعتهِ وعبادته، ﴿ وَطَهَّرَكِ ﴾ من الكُفْرِ بالإيْمان والطاعاتِ، كما قالَ :﴿ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً ﴾[الأحزاب : ٣٣] أرادَ طهارةَ الإيْمَانِ والطاعَات، وقيل : معناهُ : وطهَّرَكِ من الأدنَاسِ كلِّها ؛ مِن الحيضِ والنِّفاسِ وغير ذلكَ.
وقََوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاصْطَفَـاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَـالَمِينَ ﴾ أي اختارَكِ على أهلِ زمانِك بولادة عيسَى من غيرِ أبٍ. وقيل : معنَى الآيةِ : وَطَهَّرَكِ مِنْ مَسِيْسِ الرَّجُلِ.
فإن قِيْلَ : كيف يجوزُ ظُهُورُ الملائكةِ لِمَرْيَمَ وذلك معجزةٌ لا يجوزُ ظهورُها على غير نَبيٍّ، ومريَم لم تكن نبيّاً ؟ قيلَ : لأنَّها وإن لَم تكن نبياً ؛ فإنَّ ذلكَ كان في وقتِ زكريَّا عليه السلام، ويجوزُ ظهور المعجزاتِ في زمنِ الأنبياء عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ لغيرِهم، ويكونُ ذلك معجزةً له. وقيل : كان ذلك إلْهَاماً لنبوَّة عيسى، كما كانتِ الشُّهب وتظليلُ الغمَامِ وكلامُ الذِّئب إلْهَاماً لنبوَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon