قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ﴾ ؛ أي في مضجعِ الرِّضاع. قال مجاهدُ :(قَالَتْ مَرْيَمُ : كنْتُ إذا خَلَوْتُ أنَا وَعِيْسَى حَدَّثْتُهُ وحَدَّثَنِي، فَإذا شَغَلَنِي إنْسَانٌ ؛ يُسَبحُ فِي بَطْنِي وَأَنَا أسْمَعُ(.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَكَهْلاً ﴾ ؛ أي يُكَلِّمُ الناسَ بعدما دخلَ في السنِّ ؛ يعني قبلَ أن يرفعَ إلى السماءِ. وقال الحسنُ :(وَكَهْلاً أيْ بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ). قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ ؛ أي وِمن المرسلينَ.
وقالَ الكلبيُّ :(أرَادَ بالْمَهْدِ : الْحِجْرَ). روي أنَّهم لَمَّا قالُوا لَها :﴿ يامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ﴾[مريم : ٢٧] كلَّمَهم وهو في حِجرها فقالَ :﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ﴾[مريم : ٣٠-٣١]، وكان يومئذٍ ابنَ أربعين يوماً.
فإن قيلَ : الكلامُ في حالِ كونِه في المهدِ يَعجَبُ الناسُ منه، وأمَّا الكلامُ في الكهولَة فليسَ بعجبٍ، فكيفَ ذكَرَهُ اللهُ ؟ قيلَ : في ذلكَ الكلامِ وفي الكهولَةِ بشارةٌ لِمَرْيَمَ في أنَّ عيسى يعيشُ إلى وقتِ الكُهولة.
وقيل : تكلَّمَ في المهدِ ببَرَاءَةِ أمِّهِ مِمَّا رماها بهِ اليهودُ، وتكلَّم بالكهولةِ بإبطَال ما ادعَّاه النصارَى من كونهِ إلَهاً ؛ لأنه كانَ طِفلاً ثم صارَ كَهْلاً، ومن يكونُ بهذه الصِّفة لا يكون إلَهاً.
والكَهْلُ في اللُّغَةِ : مَنْ جَاوَزَ حَدَّ الشَّبَاب ولَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّيْخُوخَةِ، يقالُ : اكْتَهَلَ النَّبَاتُ إذا قَوِيَ وَاشْتَدَّ. وقيل : الكَهْلُ : هو الذي يكونُ ابنَ أرْبَعٍ وثَلاَثِيْنَ سنةً.