قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾ ؛ أراد بالشيطانِ نُعَيْمُ بنُ مسعودٍ ؛ وكُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ فهو شيطانٌ. وقيل : معناهُ : ذلك التخويفُ من عملِ الشَّيطانِ وَوَسْوَسَتِهِ، وقولهُ ﴿ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾ يعني المنافقينَ ومَن لا حقيقةَ في إيْمانهِ. ﴿ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ ؛ أي خَافُونِي في تركِ أمْرِي.
وذهبَ بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ قولَه تعالى :﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ ﴾[آل عمران : ١٧٢] أنْزِلَتْ في حرب أُحُدٍ، وذلكَ :" أنهُ لَمَّا رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ بَعْدَ الْهَزِيْمَةِ ؛ قَالَ لَهُمْ :" رَحِمَ اللهُ قَوْماً انْتَدَبُواْ لِهَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِيْنَ لِيَعْلَمُواْ أنَّا لَمْ نُسْتَأْصَلْ " فَانْتَدَبَ قَوْمٌ مِمَّنْ أصَابَهُمُ الْجِرَاحُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ فَشَدُّواْ عَلَى الْمُشْرِكِيْنَ حَتَّى كَشَفُوهُمْ عَنِ الْقَتْلَى بَعْدَ أنْ مَثَّلُواْ بحَمْزَةَ، وَقَدْ كَانَ هَمُّوا بالْمُثْلَةِ بقَتْلَى الْمُسْلِمِيْنَ، فَقَذفَ اللهُ فِي قُلُوبهِمُ الرُّعْبَ ؛ فَانْهَزَمُواْ.
وَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى الْقَتْلَى وَدَفَنَهُمْ، فَجَاءَ أنَاسٌ مِنَ الْعَرَب وَقَدْ مَرُّوا بأبي سُفْيَانَ وَأصْحَابهِ بمَوْضِعٍ يُسَمَّى حُمْرَاءَ الأَسَدِ، فَقَالُواْ لِلْمُسْلِمِيْن : تَرَكْنَاهُمْ مُتَأَهِّبيْنَ للِرُّجُوعِ إلَى الْمَدِيْنَةِ لِقَتْلِ بَقيَّتِكُمْ، فَعِنْدَ ذلِكَ قَالَ الْمُسْلِمُونَ : حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أصْحَابَهُ بالْمَسِيْرِ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا سَارُواْ إلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ وَهِيَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِية أمْيَالٍ مِنَ الْمَدِيْنَةِ لَمْ يَرَوا الْمُشْرِكِيْنَ هُنَاكَ ؛ فَانْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ إلَى الْمَدِيْنَةِ بنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ ؛ وَهِيَ كِفَايَتُهُ لَهُمْ شَرَّ قُرَيْشٍ حَتَّى لَمْ يَنَلْهُمْ مِنْهُمْ سُوءٌ " وفي قوله﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾[آل عمران : ١٧٤] بيان أنه تعالى تفضّل عليهم من بعد بنعيم الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon