قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ﴾ ؛ أي اللاَّتِي يَزْنِيْنَ من حَرَائِرِكُمْ الثيِّبَاتِ الْمُحْصَنَاتِ، ﴿ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ ﴾، فَاطْلُبُوا عليهِنَّ أربعةً من الشُّهود من أحْرَاركُم المسلمين العدول، ﴿ فَإِن شَهِدُواْ ﴾ ؛ عليهِنَّ بالزِّنَا، فَاحْبسُوهُنَّ في البيوتِ، وهي السُّجُونُ، بيوتٌ معروفةٌ في المدينة، ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ﴾ ؛ بالْحَبْسِ، ﴿ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾، مَخْرَجاً مِن الْحَبْسِ قبلَ الموتِ.
وإنَّما كان هذا قبلَ نزولِ الحدود ؛ كانتِ المرأةُ في أوَّل الإسلام إذا زَنَتْ حُبسَتْ فِي البيتِ حتَّى تَموتَ، وإنْ كان لَها زوجٌ كان مهرُها لهُ، حتى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾[النور : ٢] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :" خُذُوا عَنِّي ؛ خُذُوا عَنِّي : قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبيْلاً، الثَّيِّبُ بالثَّيِّب جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ، وَالْبكْرُ بالْبكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيْبُ عَامٍ " فَنُسِخَتْ تلكَ الآيةُ بعضَ هذه الآيةِ، وهو الإمْسَاكُ في البُيُوتِ، وبقي منها مُحْكَماً وهو الإشْهَادُ.
وكان في هذا النَّسْخِ نَسْخُ القُرْآنِ بالسُّنَّةِ، ثُم تغريبٌ في البكرِ بقولهِ تعالى :﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾[النور : ٢] لأن ظاهرَ تلكَ الآية يقتضِي أنَّ الْجَلْدَ بَيَانٌ لجميعِ الحكم المتعلِّق بالزِّنا، إذ لو لم يجعل ذلكَ كذلك لكانَ قُصُوراً في البيانِ في مواضع الحاجةِ، ونُسِخَ جلدُ الزِّنا المحصنِ الثَّيِّب بحديثِ مَاعِزٍ :" أنَّ النَّبيَّ ﷺ رَجَمَهُ وَلَمْ يَجْلِدْهُ ".
وعن عُمَرَ رضي الله عنه أنَّهُ قالَ :(لَوْلاَ أنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَاب اللهِ ؛ لَكَتَبْتُ فِي حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ : الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ). وقال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ :(جَلْدُ الثَّيِّب الْمُحَصَنِ مَنْسُوخٌ، وَتَغْرِيْبُ الْبكْرِ غَيْرُ مَنْسُوخٍ)، وعند داوُدَ ومَن تابعَهُ من أصحاب الظَّواهِرِ :(لَيْسَ بشَيْءٍ مِنْهُمَا مَنْسُوخٌ).