قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ ﴾، قال ابنُ عبَّاس :((حَرَّمَ اللهُ مِنَ النِّسَاءِ أرْبَعَةَ عَشَرَ صِنْفاً ؛ سَبْعَةٌ بالنَّسَب ؛ وَسَبْعَةٌ بالسَّبَب، وَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ : وَالسَّابعَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ ﴾[النساء : ٢٢]. والجدَّاتُ - وإن بعُدت - مُحَرَّمَاتٌ ؛ لأنَّ اسمَ الأُمَّهَاتِ يَشْمَلُهُنَّ، كما أن اسم الآباء يتناولُ الأجدَادَ وإنْ بَعُدوا، واسمُ البَنَاتِ يتناولُ بناتَ الأولادِ وإن سَفِلْنَ، وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾ يشمَلُ الأخواتِ مِن الأب والأمِّ ومن الأب ومن الأمِّ، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ ﴾ يتناولُ عمَّاتِ الأب والأُمِّ وخالاتِ الأمِّ والأب.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ﴾ ؛ قال ﷺ :" يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَب " وَقَالَ ﷺ :" تُحَرِّمُ الْجُرْعَةُ وَالْجُرْعَتَانِ مَا يُحَرِّمُ الْحَوْلاَنِ الْكَامِلاَنِ "
" وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : أنَّ أفْلَحَ أخَا أبي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَاب وَكَانَ عَمُّهَا مِنَ الرِّضَاعَةِ ؛ قَالَتْ : فَأَبَيْتُ أنْ آذنَ لَهُ حَتَّى أخْبَرْتُ النَّبيَّ ﷺ فقالَ :" لِيَلِجَ عَلَيْكِ ؛ فَإنَّهُ عَمُّكِ " فَقَالَتْ : إنَّمَا أرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ، ولَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ! فَقَالَ ﷺ :" لِيَلِجَ عَلَيْكِ فَإنَّهُ عَمُّكِ "، وَكَانَ أبُو القُعَيْسِ زَوْجَ الْمَرأةِ الَّتِي أرْضَعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس وعطاءُ وسعيد بن جبير :[إنَّ أمَّ الْمَرْأَةِ مُبْهَمَةٌ تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ ابْنَتِهَا بنَفْسِ الْعَقْدِ]. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَرَبَائِبُكُمُ الَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ الَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾ ؛ لا خِلاَفَ بينَ أهلِ العلم أنَّ كونَها في حُجُورهِ لا يكونُ شرطاً في تحريْمِها وإنَّما ذكرَهُ اللهُ تعالى على عادةِ الناسِ أنَّ الرَّبيْبَةَ تكونُ في حِجْرِ زَوْجِ الأُمِّ، فخرجَ الكلامُ على وفْقِ العادة دونَ الشرطِ، وهذا كقولهِ :﴿ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾[البقرة : ١٨٧] ومعلومٌ أن المعتكفَ لا يحلُّ له الجماعُ وإن كان قد خرجَ من المسجد لحاجةٍ، إلاَّ أنَّ الغالبَ مِن حالِ العاكفِ أن يكون في المسجدِ، فَقَرَنَهُ بذكرِ المسجدِ.
وأما قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مِّن نِّسَآئِكُمُ الَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾ فمِنَ الناسِ مَن رَدَّ هذا الشرطَ على قوله ﴿ مِّن نِّسَآئِكُمُ ﴾ وعلى قوله ﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ﴾ فَشَرَطَ الدخولَ بالنِّساءِ في المسألتين في بيوت التحريمِ المذكور في الآيةِ ؛ على معنى أنَّ اللهَ عَطَفَ حُكماً على حكمٍ وعقَّبهما بشرطِ الدُّخول بقوله :﴿ الَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾ وهو قولُ بشْرِ بن غيَّاث ؛ إلاّ أنَّ هذا لا يَصِحُّ ؛ لأنَّ قولَه ﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ﴾ جملةٌ مستقلةٌ بنفسِها.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَرَبَائِبُكُمُ ﴾ بما فيه من شرطِ الدُّخول جملةٌ أخرى مستقلة بنفسِها فلم يَجُزْ بناءُ إحدى الجملتين على الأُخرى، ولو جعلنَا شرطَ الدخولِ راجعاً إلى الأوَّل، لَخَصَّصْنَا عمومَ اللفظِ الأول بالشَّكِّ.