قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس ومقاتلُ :" نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبيْعِ - وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ - وَفِي امْرَأَتِهِ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَهُمَا مِنَ الأَنْصَار، نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا، فَاْنطَلَقَ أبُوهَا مَعَهَا إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ أفْرَشْتُهُ كَرِيْمَتِي فَلَطَمَهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ :" اقْتَصِّي مِنْهُ " وَكَانَ الْقِصَاصُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَهُمْ فِي اللَّطْمَةِ وَالشَّجَّةِ وَالْجِرَاحِ، فَانْصَرَفَتْ مَعَ أبيْهَا لِيَقْتَصَّ مِنْهُ، فَقَالَ ﷺ :" ارْجِعُواْ ؛ هَذا جِبْرِيْلُ أتَانِي " فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالَ ﷺ :" أرَدْنَا أمْراً ؛ وَأرَادَ اللهُ أمْراً، وَالَّذِي أرادَ اللهُ خَيْرٌ " وَرُفِعَ الْقِصَاصُ ".
ومعناها : الرجالُ مُسَلَّطُونَ على أدب النِّساء بالحقِّ، والقوَّامُونَ الْمُبَالِغُونَ بالقيامِ عليهنَّ بتعليمهنَّ وتأديبهنّ وإصلاحِ أمورهن، وقولهُ تعالى :﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾[النساء : ٣٤] أي جَعَلَ اللهُ ذلك للرجالِ بفضلِهم على النساء في العقلِ والرَّأي، وَقِيْلَ : بزيادةِ الدِّين واليقينِ، وَقِيْلَ : بقوة العبادةِ والجهادِ، وَقِيْلَ : بالجمُعة والجماعةِ وبإنفاقِهم أموالِهم في الْمُهُور وأقْوَاتِ النساءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ ؛ أي فَالْمُحْصَنَاتُ المطيعاتُ لله في أمرِ أزواجِهن، وَقِِيْلَ : قائماتٌ بحقوقِ أزواجهن. وأصل الْقُنُوتِ : مُدَاوَمَةُ الطَّاعَةِ، وقولهُ تعالى :﴿ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ ﴾ أي يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وأموالَ أزواجهنَّ في حال غَيْبَةِ أزواجهنَّ. ويدخلُ في حفظِ المرأة لغيب الزوج أن تَكْتُمَ عليه ما لا يحسَنُ إظهارهُ مما يقفُ عليه أحدُ الزوجين على الآخرِ. وقولهُ تعالى :﴿ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ أي يحفظُ الله إياهُنَّ من معاصيهِ وبتوفِيقه لَهُنَّ، ويقال : بما حفظهنَّ اللهَ تعالى في مهورهن وإلزام الزوج النفقةَ عليهن. قال ﷺ :" خَيْرُ النِّسَاءِ مَنْ إذا نَظَرْتَ إلَيْهَا سَرَّتْكَ ؛ وَإذا أمَرْتَهَا أطَاعَتْكَ ؛ وَإذا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي مَالِكَ وَنَفْسِهَا "
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ ؛ أي النساءِ التي تعلمونَ عصيانَهنَّ لأزواجَهن فَعِظُوهُنَّ، والنُّشُوزُ : الرَّفْعُ عَنِ الصَّاحِب، مأخوذٌ من النَّشْزِ وهو المكانُ المرتفعُ، المرادُ من الْوَعْظِ وَالْهَجْرِ وَالضَّرْب في الآيةِ أن يكونَ ذلك على الترتيب المذكور فيها ؛ لأن هذا من باب الأمْرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكرِ، إذا أمكنَ الاستدراكُ بالأسهلِ والأخفِّ لا يُصَارُ إلى الأثقلِ، فالأَوْلى أن يبدأ الزوجُ فيقول لامرأتهِ الناشِزَةُ : إتَّقِِ اللهَ وارجعي إلى فراشِي، فأطاعَتْهُ وإلاّ سَبَّهَا، هكذا قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه.
وَالْهَجْرُ : الْكَلاَمُ الْفَاحِشُ، يقالُ : هَجَرَ الرَّجُلُ يَهْجُرُ، إذا هَدَأ، وأهْجَرَ الرجلُ في مَنْطِقِهِ بهجرٍ هجاراً إذا تكلَّمَ بقبيحٍ. وقال الحسنُ وقتادة :(قَوْلُهُ :﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾ مِنَ الْهَجْرِ ؛ وَهُوَ أنْ لاَ يَقْرَبَ فِرَاشَهَا وَلاَ يَنَامَ مَعَهَا ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى قَرَنَهُ بقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾.