قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ﴾ ؛ معناه : يومَ وقوعِ الشهادة تَمَنَّى الذين كفرُوا باللهِ، وعَصَوا الرسولَ أن الأرض تُسَوَّى بهم : يَمْشِي عليهَا أهلُ الجمعِ وَيوَدُّونَ أنَّهم لم يَكْتُمُوا اللهَ حَدِيثًا ؛ وذلك حينَ مَيَّزَ اللهُ أصحابَ اليمينِ من أصحاب الشِّمالِ، ويقولُ للوحوشِ والطيور والبهائمِ : كونِي تُرَاباً ؛ أي ويرَى الكفَّارُ ذلك ويَرَوْنَ ما أكرمَ اللهُ به المسلمينَ، فيقولُ بعض الكفَّار لبعضٍ : هَلُمُّوا نقولُ إذا سُئِلْنَا : وَاللهِ رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، فيقولونَ ذلك، فَيخْتِمُ اللهُ على ألسِنَتِهم، ويأذنُ لجوارحهم في الكلامِ، فتشهدُ عليهم عندَ ذلك ؛ فيقولون : يا لَيْتَنَا كُنَّا تُراباً، ويتمنَّون أنَّهم لم يَكْتُمُوا اللهَ حديثاً ؛ لأنَّهم كانوا كَذبُوا في قولِهم : مَا كُنَّا مُشْرِكِيْنَ.
وقالَ بعضُهم : معنى :﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ﴾ كلامٌ مستأنَفٌ غيرُ داخل في التَّمَنِّي ؛ ومعناهُ : لاَ يَقْدِرُونَ على كِتْمَانِ شيءٍ مما عَمِلُوهُ ؛ لظهور ذلكَ عندَ اللهِ ؛ أي لا يُفِيْدُ كِتْمَانُهُمْ. وقال الكلبيُّ :(يَقُولُ اللهُ لِلْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ وَالطَّيْرِ : كُونِي تُرَاباً ؛ فَتُسَوَّى بهِمُ الأَرْضُ ؛ فَعِنْدَ ذلِكَ يَتَمَنَّى الْكَافِرُ أنْ يَكُونَ كَذلِكَ). وقال عطاءُ :(مَعْنَاهُ : يَوَدُّ الَّذِيْنَ كَفَرُواْ لَوْ تُسَوَّى بهِمُ الأَرْضُ، ولَمْ يَكْتُمُواْ أمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَلاَ نَعْتَهُ).
قرأ أهلُ المدينةِ والشامِ (تَسَّوَّى) بفتحِ التاء والتشديد على معنَى وَتَتَسَوَّى ؛ فأدغمتِ التاءُ الثانية في السين. وقرأ أهلُ الكوفةِ إلاّ عاصماً بفتحِ التاء والتخفيف على حذفِ أحدِ التاءَين مثلُ قولهِ :﴿ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ ﴾[هود : ١٠٥] وقرأ الباقونَ بضمِّ التاء والتخفيف على الْمَجْهُولِ ؛ أي لو سُوِّيَتْ بهم الأرضُ وصَارُوا هم والأرضُ شيئاً واحداً.