قوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ؛ كَانُواْ يشْرَبُونَ الْخَمْرَ قَبْلَ التَّحْرِيْمِ، ثُمَّ يَأَتُونَ الصَّلاَةَ مَعَ النَّبيِّ ﷺ فَيُصَلُّّونَ مَعَهُ ؛ فَنَهَاهُمُ اللهُ تَعَالَى عَنْ ذلِكَ).
وتأويلُ الآية على هذا : لاَ تَقرَبُوا مواضِعَ الصلاةِ وهو المسجدُ وَأنْتُمْ سُكَارَى، حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وما يقرأ إمَامُكم في الصلاةِ. وسُكَارَى : جمعُ سَكْرَانٍ، وهذا خطابٌ لمن لم يَبْلُغْ به السُّكْرُ إلى حدٍّ لا يفهمُ الكلامَ كلَّهُ، لأنَّ الذي لا يفهمُ شيئاً لا يصحُّ أن يخاطَبَ، فكانوا بعد نزولِ هذه الآية يَجْتَنِبُونَ السُّكر أوقاتَ الصلاةِ حتى نزلَ تحريمُ الخمرِ في سورة المائدةِ.
وقال مقاتلُ :(نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ؛ كَانُواْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فِي دَار عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَبْلَ التَّحْرِيْمِ ؛ فَحَضَرَتْ صَلاَةُ الْمَغْرِب ؛ فَقَدَّمُوا رَجُلاً فَقَرأ﴿ قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾[الكافرون : ١] وَقَالَ : أعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ؛ وَحَذفَ (لاَ) فِي جَمِيْعِ السُّورَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ).
فمعناها على هذا : لاَ تَقْرَبُوا نَفْسَ الصلاةِ، وأنتمُ سُكَارى حتَّى تعلموا ما تَقْرَأونَ. وعن عمرَ رضي الله عنه أنهُ قال بَعْدَ نزولِ هذه لآية :(اللَّهُمَّ إنَّ الْخَمْرَ يَضُرُّ بالْعُقُولِ وَالأَمْوَالِ ؛ فَأنْزِلَ فِيْهَا أمْرَكَ) فَصَبَّحَهُمُ الْوَحْيُ بآيَةِ الْمَائِدَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ جُنُباً ﴾ أي لا تَقْرَبُوا مواضعَ الصلاةِ وأنتم جُنُباً، ﴿ إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ ﴾ ؛ إلاّ أن تكونُوا مُجْتَازيْنَ، وإذا لم يكن الماءُ إلاَّ في المسجدِ، تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ودخلَ المسجدَ وأخذ الماء ثم خرجَ واغتسلَ. وقال الشافعيُّ :(يَجُوزُ لِلْجُنُب الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ بغَيْرِ تَيَمُّمٍ، وَلاَ تَجُوزُ لَهُ الإقَامَةُ فِيهِ). وَقِيْلَ : معنى الآيةِ : لا تُصَلُّوا وأنتم جُنُبٌ إلا أن تكونوا مسافرينَ لا تجدون الماءَ فتيمَّمون وتصلُّون، هكذا رويَ عن عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ ومجاهدُ والحاكم. وانتصبَ قوله (جُنُباً) على الحالِ ؛ أي لا تَقْرَبُوا الصلاةَ وأنتم جُنُبٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾ ؛ أي إذا كنتم مَرْضَى فَخِفْتُمْ الضررَ باستعمالِ الماء أو كنتم مسافرينَ، ﴿ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الْغَآئِطِ ﴾ ؛ معناهُ : وجاءَ أحدُكم من الغائطِ : هو المكانُ المطمئِنُّ من الأرضِ ؛ يقال : تَغَوَّطَ الرجلُ إذا دَخَلَ المكانَ المطمئنَّ لقضاءِ الحاجةِ، ويجعلُ هذا اللفظ كنايةً عن ذلكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَآءَ ﴾ ؛ قال عَلِيٌّ وابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :(مَعْنَاهُ : أوْ جَامَعْتُمْ النِّسَاءَ) وبه قال الحسنُ ومجاهد وقتادةُ. وقال ابنُ مسعودٍ وابن عمرَ والنخعيُّ والشعبيُّ :(أرَادَ بهِ اللَّمْسَ بالْيَدِ، وَكَانُوا لاَ يُبيْحُونَ لِلْجُنُب التَّيَمُّمَ).
واختلفَ العلماء في هذا، فقال الشافعيُّ :(إذا مَسَّ الرَّجُلُ بَدَنَ الْمَرأَةِ نُقِضَ وَضُوءُهُ سَوَاءٌ كَانَ بالْيَدِ أمْ بغَيْرِهَا مِنَ الأعْضَاءِ). وقال الأوزاعيُّ :(إنْ مَسَّهَا بالْيَدِ نُقِضَ ؛ وَإنْ كَانَ بغَيْرِ الْيَدِ لَمْ تُنْقَضْ).


الصفحة التالية
Icon