قوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ ؛ قال الكلبيُّ :" نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِيْنَ ؛ فِي شَأْنِ وَحْشِيٍّ وَابْنِ حَرْبٍ وَأصْحَابهِ، وَكَانَ قَدْ جَعَلَ لِوَحْشِيٍّ إنْ قَتَلَ حَمْزَةَ أنْ يُعْتِقَهُ مَوْلاَهُ، فَلَمْ يُوَفِّ لَهُ بذلِكَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ نَدِمَ هُوَ وَأصْحَابُهُ عَلَى مَا فَعَلُواْ مِنْ قَتْلِ حَمْزَةَ ؛ فَكَتَبُواْ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ : أنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا صَنَعْنَا، وَأنَّهُ لَيْسَ يَمْنَعُنَا عَنِ الإسْلاَمِ إلاَّ أنَّا سَمِعْنَاكَ تَقُولُ إذْ كُنْتَ عِنْدَنَا بمَكَّةَ ﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَاهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ﴾ وَقَدْ دَعَوْنَا مَعَ اللهِ إلَهاً آخَرَ وَقَتَلْنَا النَّفْسَ وَزَنَيْنَا، وَلَوْلاَ هَذِهِ الآيَةُ لاتَّبَعْنَاكَ، فَنَزَلَ ﴿ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ﴾ الآيةُ، فَبَعَثَ بهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ إلَى وَحْشِيٍّ وَأصْحَابهِ، فَلَمَّا قَرَأوهَا كَتَبُوا إلَيْهِ : إنَّ هَذا شَرْطٌ شَدِيدٌ نَخَافُ أنْ لاَ نَعْمَلَ عَمَلاً صَالِحاً فَلاَ نَكُونَ مِنْ أهْلِ هَذِهِ الآيَةِ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ فَبَعَثَ بهَا إلَيْهِمْ فَقَالُواْ : نَخَافُ أنْ لاَ نَكُونَ مِنْ أهْلِ الْمَشِيْئَةِ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾ فَبَعَثَ بهَا إلَيْهِمْ فَوَجَدُوهَا أوْسَعَ مِمَّا كَانَ قَبْلَهَا، فَدَخَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الإسْلاَمِ وَرَجَعُواْ إلَى رَسُولِِ اللهِ ﷺ فَقَبلَ مِنْهُمْ ثُمَّ قالَ ﷺ لِوَحْشِي :" أخْبرْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ ؟ " فَلَمَّا أخْبَرَهُ، قَالَ لَهُ :" وَيْحَكَ! غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي " فَلَحِقَ وَحْشِيُّ بالشَّامِ فَكَانَ فِيْهَا إلَى أنْ مَاتَ. قَالُواْ : مَاتَ وَفِي بَطْنِهِ الْخَمْرُ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾ ؛ أي ومَن يُشْرِكْ باللهِ سِوَاهُ فقدِ اختلَقَ على اللهِ ذنباً عظيماً غيرَ مغفورٍ له.


الصفحة التالية
Icon