قوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً ﴾ ؛ أي إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ سَوفَ نُدْخِلُهُمْ نَاراً. وقرأ حُميد بن قيسٍ :(نَصْلِيهِمْ) بفتحِ النون ؛ أي نَشْوِيْهِمْ مِن قولِهم : شاةٌ مَصْلِيَّةٌ ؛ أي مَشْوِيَّةٌ، ونُصبتِ النارُ بنَزعِ الخافض على هذه القراءةِ ؛ تقديرهُ : بنَار.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا ﴾ ؛ أي كُلَّمَا أحْرِقَتْ جلودُهم جَدَّدْنَا لَهم جلوداً غيرَها بيضاءَ كالقراطيسِ، وذلك أنَّهم كلَّما احْتََرَقُوا حَسَّت عليهم النارُ ساعةً ثم تَزَايَدَتْ سعيراً وَبَدَأوا خَلْقاً جديداً فيهم الرُّوحُ ثم عادَتْ النَّارُ تُحْرِقُهُمْ ؛ فهذا دَأبُهُمْ أبداً. قال الحسنُ :(تَنْضَجُ جُلُودُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيْنَ ألْفَ مَرَّةٍ، كُلَّمَا أكَلَتْهُمُ النَّارُ وَأنْضَجَتْهُمْ ؛ قِيْلَ لَهُمْ : عُودُوا ؛ فَيَعُودُونَ كَمَا كَانُوا). وعن مجاهدٍ قَالَ :(مَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَلَحْمِهِ دُودٌ لَهَا حَلْبَةٌ كَحَلْبَةِ حُمُرِ الوَحْشِ). وعن أبي هريرةَ عن النبيِّ ﷺ قالَ :" غِلَظُ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأرْبَعُونَ ذِرَاعاً، وَضِرْسُهُ مِثْلُ أحُدٍ "
قيل : كيفَ جاز أن يعذِّبَ اللهُ جِلْداً لَم يَعْصِهِ ؟ قيل : إنَّ العاصِي والمتألِّمُ واحدٌ وهو الإنسانُ لا الجلدُ ؛ لأن الجلودَ إنَّما تَأْلَمُ بالأرواحِ، والدليلُ على أنَّ القصدَ تعذيبُ الإنسانِ لا تعذيبُ الجلودِ قولهُ تعالى :﴿ لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ﴾ ؛ ولَم يقل ليذوقَ العذابَ، وَقِيْلَ : معناهُ : تبدل جلودٌ هي تلك الجلودُ المتحرقة، وذلك أنَّ (غيرَ) على ضربين : بتضَادٍّ و (غير) بلا تضادٍّ، فالتضادُّ مثلُ قولِكَ : الليلُ غيرُ النَّهار، والذكرُ غير الأنثى، والثاني مثل قولِكَ لصائغٍ : صُغْ لي من هذا الخاتمِ خاتماً غيرَهُ، فيكسره ويصوغُ لكَ خاتماً، والخاتَمُ المصوغُ هو الأوَّلُ، إلاّ أن الصياغةَ قد تغيَّرت، والقصةُ واحدةٌ.
وقالت الحكماءُ : كما أنَّ الجلد بَلِيَ قبلَ البعثِ كذلك يبدلُ بعد النُّضج. وقال السُّدِّيُّ :(يُبْدَلُ مِنْ لَحْمِ الْكَافِرِ يُعَادُ الْجِلْدُ لَحْماً وَيَخْرُجُ مِنَ اللَّحْمِ جِلْدٌ آخَرُ ؛ لأنَّهُ جِلْدٌ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيْئَةً). قَوُلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ ؛ أي غالباً في أمرهِ، لا يَمْلِكُ أحدٌ مَنْعَهُ من إنزالِ وعدِّهِ، ذو حِكْمَةٍ فيما حَكَمَ من النار للكفَّار.


الصفحة التالية
Icon