قوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ ؛ يعني نَجَّيْنَا أسلافَكم ؛ وإنَّما عدَّها مِنَّة عليهم ؛ لأنَّهم نجوا بنجاتِهم. وقرأ إبراهيمُ النخعي :(نَجَيْتُكُمْ) على التوحيد. و (آلِ فِرْعَوْنَ) أشياعُه وأتباعُه وأسرته وعشيرته وأهلُ بيته. وفرعون هو الوليدُ بن مصعبٍ، وكان من العماليق ؛ جمع عِمْلاَقٍ، وهي قبيلةٌ.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ أي يُكلِّفونَكم ويُذيقُونَكم أشدَّ العذاب وأسوأهُ ؛ وذلك أن فرعونَ جعل بني إسرائيل خَدَماً وخَوَلاً. فصنفٌ يبنونَ ؛ وصنف يحرثون ويزرعون ؛ وصنفٌ يخدمونَهُ، ومن لم يكن منهم في عملٍ من هذه الأعمال فعليه الجزيةُ، فذلك سوء العذاب. وقيل : إنَّهم كُلِّفُوا الأعمالَ القذرة.
وقيلَ : تفسيرهُ ما بعده :﴿ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ﴾ ؛ وقرأ ابنُ محيص :(يَذْبَحُونَ) بالتخفيف. ومن قرأ بالتشديد فعلى التكثيرِ ؛ وذلك أن فرعونَ رأى في منامه ناراً أقبلَتْ من بيتِ المقدس فأحرقت مصرَ وأحرقت القِبْطَ وترَكت بني إسرائيلَ : فسأل الكَهَنَةَ، فقالوا : يُولَدُ في بني إسرائيلَ غلامٌ ؛ يكون هلاكُكَ على يديه. فأمر فرعونُ بقتلِ كلِّ غلام يولدُ في بني إسرائيل ؛ وتركِ كل أُنثى ؛ ففعلوا ذلك. وأسرعَ الموت في مشيخة بني إسرائيل ؛ فقال القِبْطُ لفرعون : إن الموتَ وَقَعَ في مَشْيَخَةِ بني إسرائيل وأنت تذبحُ صغارَهم فيوشِكُ أن يقعَ العملُ علينا ؛ فأُمروا أن يذبَحوا سنةً ويتركوا سنةً ؛ فوُلِدَ هارون في السنةِ التي لا يذبحون فيها ؛ فَتُرِكَ. وولد موسى في السنة التي يذبَحون فيها.
قوله :﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ﴾ أي يتركوهنَّ أحياءً فلا يذبحوهن بل يستخدموهُن. وقيل : معناه يستحيون من الْحَيَاءِ الذي هو الرَّحم ؛ فإن القومَ كانوا ينظرون إلى فروجِ نساء بني إسرائيل فيعلَمُوا هل هنَّ حُبَّلٌ أم لا!!
قولهُ :﴿ وَفِي ذَالِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ ؛ يعني في سَومِهم إياكم سوء العذاب محنةٌ وفتنة عظيمةٌ. وقيل : معناه : وفي إنجاء آبائِكم منهم نعمةٌ عظيمة. والبلاءُ ينصرف على وجهين : النعمةُ والْمِحْنَةُ. قالَ الله تعالى :﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾[الأنبياء : ٣٥].


الصفحة التالية
Icon