وقوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ قال مجاهد والفرَّاء :(هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ يَعْنِي التَّوْرَاةَ ؛ وَمَا يُفَرَّقُ بهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ). وقد سَمَّى الله تعالى التوراة فرقاناً في موضعٍ آخر وهو قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَآءً ﴾[الأنبياء : ٤٨]، وسَمَّى اللهُ النُّصرة يوم بدرٍ على الكفار فُرقاناً كما قال :﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾[الأنفال : ٤١] أراد بد يوم بدرٍ ؛ وإنَّما عطفَ الشيء على نفسه وكرَّره ؛ لأن العرب تكرِّر الشيء إذا اختلفَ ألفاظه، قال عنترةُ : حُيِّيْتُ مِنْ ظُلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ أقْوَى وَأقْفَرَ بَعْدَ أَمِّ الْهَيْثمِوقال الكسائيُّ : الفرقانُ : بعثُ الكتاب ؛ يريد :﴿ وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانُ ﴾. والفرقانُ : فرقٌ بين الحلالِ والحرامِ ؛ والكفرِ والإيمان ؛ والوعْدِ والوعيد ؛ فزيدت الواوُ فيه كما تزادُ في النعوت ؛ من قولهم : فلانٌ حسنٌ وطويلٌ. ودليلُ هذا التأويلِ :﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾[الأنعام : ١٥٤]. وقال قطربُ :(أرَادَ بالْفُرْقَانِ : الْقُرْآنَ).
وفي الآيةِ إضمارٌ معناهُ : وإذا آتينا موسى الكتاب ومُحَمَّداً الفرقانَ. قوله تعالى :﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ أي بهذين الكتابين، وقال بعضُهم : أراد بالفرقانِ انفراق البحرِ وهو من عظيمِ الآيات، يدلُّ عليه قوله تعالى :﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ ﴾[البقرة : ٥٠].