قَولُهُ تَعَالَى :﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ﴾ ؛ أي في التيه يقيكم حرَّ الشمس ؛ وذلك أنَّهم كانوا في التَيه ولم يكن لهم كِنٌّ يسترُهم ؛ فشكوا ذلك إلى موسى ؛ فأنزل الله عليهم غماماً أبيض ؛ أي سحاباً رقيقاً ليس بغمام المطر ؛ لكن أرقَّ وأطيب منه ؛ فأظلهم وكان يدلي لهم بالليل عموداً من السماء من نور فيسير معهم بالليل حيث ساروا مكان القمر. فقالوا : هذا الظل قد حصل فأين الطعام ؛ فأنزل الله عليهم المنَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴾، الْمَنُّ ؛ قال مجاهد :(هُوَ شَيْءٌ كَالصَّمْغِ كَانَ يَقَعُ عَلَى الأَشْجَار ؛ وَطَعْمُهُ كَالشَّهْدِ). وقال الضحَّاك :(هُوَ الزَّنْجَبيْنُ). وقال وهبُ :(هُوَ الْخُبْزُ الرِّقَاقُ). وقال السديُّ :(عَسَلٌ كَانَ يَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ باللَّيْلِ. وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَنُّ كُلَّ لَيْلَةٍ ؛ يَقَعُ عَلَى أشْجَارهِمْ مِثْلُ الثَّلْجِ ؛ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ صَاعٌ كُلَّ لَيْلَةٍ ؛ فَإِنْ أخَذَ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ دَوَّدَ وَفَسَدَ. وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَأْخُذُ صَاعَيْنِ كَأَنَّهُ كَانَ لَمْ يَأْتِهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ).
وَقِيْلَ : هو شيء حلوٌ ؛ كان يَسقطُ على الشجر كالشهد المعجونِ بالسَّمن، وكان يأخذ كل واحد منهم كل غداةٍ صاعاً يكفيه يومه وليلته، فإن أخذَ أكثر من ذلك فَسَدَ عليه.
فقالوا : يا موسَى! قَتَلَنَا هذا الْمَنُّ بحلاوتهِ، فادعوا لنا ربك يطعمنا لَحماً، فدعا فأنزلَ عليهم السَّلْوَى : وَهُوَ طَائِرٌ يُشبْهُ السَّمَانِيَّ ؛ كذا قالَ ابنُ عباس. وأكثرُ المفسرين بعثَ اللهُ سحابةً مطرت السمانِيَّ في عرضِ ميل وقدر طولِ رُمح في السماء بعضهم على بعض. وقال المؤرِّجُ :(السَّلوَى هُوَ الْعَسَلُ بِلُغَةِ كِنَانَةَ ؛ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَكْفِيْهِ يَوْماً وَلَيْلَةً، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ يَأْخُذُ مَا يَكْفِيْهِ يَوْمَيْنِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ ؛ أي وقلنا لهم : كُلُوا من حلائلِ ما رزقناكم ولا تدَّخروا لغدٍ ؛ فادَّخروا لغدٍ، فقطعَ الله عنهم ذلك، ودوَّدَ وفسدَ ما ادَّخروا. قَالَ رسولُ الله ﷺ :" لَوْلاَ بَنُو إسْرَائِيْلَ لَمْ يَخْبَثِ الطَّعَامُ، وَلَمْ يَخْنِزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا ".
قوله تعالى :﴿ وَمَا ظَلَمُونَا ﴾ ؛ أي ما ضرُّونا بالمعصية، ﴿ وَلَـاكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ ؛ أي يضرُّون باستيجابهم عذابي وقطعِ مادة الرزق الذي كان ينْزل عليهم بلا كلفةٍ ولا مشقَّةٍ في الدنيا ولا حسابٍ ولا تبعة في العقبى وهذا كله في التيهِ.


الصفحة التالية
Icon