قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾ ؛ أي سأل لهم السُّقيا، وذلك أنَّهم عطشوا في التَّيْهِ فقالوا : يا موسى من أين لنا الشرابُ، وكان قولهم له حال نزولِهم في الأرضِ الْقِفْرِ بعد غرقِ فرعون ؛ فاستسقى لهم موسى، ﴿ فَقُلْنَا ﴾ ؛ أي فأوحَى الله إليه : أنْ ؛ ﴿ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ﴾ ؛ وكانت عصاه من آس الجنَّة طولُها عشرة أذرعٍ على طولِ موسى ؛ ولها شُعبتان تتَّقدان في الظلمةِ نوراً، وكان آدمُ حملها معهُ من الجنَّة إلى الأرضِ فتوارثتها الأنبياء صاغِراً عن كابرٍ حتى وصلَ إلى شعيب فأعطاها موسَى.
وأما الحجرُ الذي أمر موسى بضربه فقد اختلف فيه المفسرون، قال وَهَبُ بنُ مُنَبه : كَانَ مُوسَى يَضْرِبُ لَهُمْ أقْرَبَ حَجَرٍ مِنْ عَرَضِ الْحِجَارَةِ ؛ فَتَفَجَّرَ عُيُوناً لِكُلِّ سَبْطٍ عَيْناً، وَكَانُوا اثْنَى عَشَرَ سَبْطاً، ثُمَّ تَسِيْلُ كُلُّ عَيْنٍ فِي جَدْوَلٍ إلَى السَّبْطِ الَّذِي أُمِرَ أنْ يَسْقِيَهُمْ.
ثم إنَّهم قالوا : إن فقدَ موسى عصاهُ مِتْنَا عطشاً، فأُوحِيَ إليهِ : يا موسى، لا تَقْرَعَنَّ الحجارةَ، ولكن كلِّمها تُطِعْكَ لعلهم يعتبرون. فقالوا : كيفَ بنا إذا أفضينا إلى الأرضِ التي ليس فيها حجارةٌ ؟ فحملَ موسى معَهُ حَجَراً، فحيثما نزلوا ألقاهُ.
وقال آخرون : كان حَجَراً مخصوصاً بعينهِ ؛ والدليلُ على ذلك إدخالٌ الألف واللام عليه وذلك للتعريف ؛ ثم اختلفوا فيه مَا هُوَ ؟ قال ابنُ عباس :(كَانَ حَجَراً خَفِيْفاً مُرَبَّعاً مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ يَحْمِلُهُ مَعَهُ، فَإِذَا احْتَاجُواْ إلَى الْمَاءِ وَضَعَهُ وَضَرَبَهُ بعَصَاهُ). وروي أنه كان رُخاماً. وقيل : كان حجراً فيه اثنا عشر حفرةً تنبعُ من كل حفرة عينُ ماءٍ عذبٍِ فراتٍ ؛ فإذا اتخذوا حاجتهم من الماء ؛ وأراد موسى حملهُ ضربه بعصاه، فغارَ الماءُ وانقطعَ. وكان يسقي كلَّ يوم ستمائة ألف.
وقال سعيد بن جبير :(هُوَ الَّذِي وَضَعَ مُوسَى عَلَيْهِ ثَوْبَهُ لِيَغْتَسِلَ حِيْنَ رَمَوْهُ بالأَذرَةِ ؛ فَنَفَرَ الْحَجَرُ بثَوْبهِ وَمَرَّ بهِ عَلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ حَتَّى عَلِمُواْ أنَّهُ لَيْسَ بآدَرٍّ ؛ فَلَمَّا وَقَفَ الْحَجَرُ أتَاهُ جِبْرِيْلُ عليه السلام ؛ فَقَالَ : يَا مُوسَى إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَكَ : إرْفَعْ هَذَا الْحَجَرَ فَلِي فِيْهِ قُدْرَةٌ وَلَكَ فِيْهِ مُعْجِزَةٌ. وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى ذلِكَ فِي قَوْلِهِ :﴿ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَى فَبرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُواْ ﴾[الأحزاب : ٦٩] فَحَمَلَهُ مُوسَى وَوَضَعَهُ فِي مِخْلاَتِهِ، وَكَانَ إذَا احْتَاجَ إلَى الْمَاءِ ضَرَبَهُ بعَصَاهُ).
وقصَّة ذلك الحجر ما روي عن رسول الله ﷺ أنه قال :" كَانَ بَنُو إسْرَائِيْلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً ؛ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى سَوْءَةِ بَعْضٍ ؛ وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ. فَقَالُواْ : مَا يَمْنَعُ مُوسَى أنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلاَّ أنَّهُ أدَرّ، فَذَهَبَ يَغْتَسِلُ مَرَّةً ؛ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بثَوْبهِ، فَجَمَحَ مُوسَى بأَثَرِهِ يَقُولُ : ثَوْبي يَا حَجَرُ ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيْلَ إلَى سَوْءَةِ مُوسَى ؛ فَقَالُواْ : وَاللهِ مَا بمُوسَى مِنْ بَأْسٍ فَقَامَ بَعْدَمَا نَظَرَ بَنُو إسْرَائِيْلَ إلَيْهِ ؛ فَأَخَذَ مُوسَى ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بالْحَجَرِ ضَرْباً ".