قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا ﴾ ؛ قرأ ابن السُّمَيْقَعِ (وَإذَا لاَقوُاْ) قِيْلَ : يعني المنافقينَ مِن أهلِ الكتاب في وقتِ موسى ؛ فإنه كان في قومهِ منافقونَ، كما في أُمَّتِنا. وَقِيْلَ : المرادُ به منافِقُو هذه الأُمةِ، وإنَّما ذكرَهم اللهُ تعالى هنا مع اليهودِ ؛ لأن أكثرَهم كانوا منهم من اليهودِ قَبْلَ مبعثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
معناهُ :﴿ وَإِذَا لَقُواْ ﴾ المنافقون من اليهودِ ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، يعني أبَا بكرٍ وأصحابه من المؤمنين. قالوا :﴿ آمَنَّا ﴾ كإيْمانكم وشَهِدنا بأن مُحَمَّداً صادقٌ ونجدهُ في كتابنا بنعته وصفتهِ، ﴿ وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾، أي وإذا خَلَوا إلى رؤسائهم، ﴿ قَالُواْ ﴾ ؛ قال لَهم رؤساؤُهم - كعبُ بن أشرف ؛ وكعب بن أسد ؛ ووهبُ بن يهودا - وغيرُهم - من رؤساءِ اليهود :﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ ؛ أي تخبرونَهم أنَّهم على الحقِّ ليكون لهم الحجَّةَ عليكم عند الله في الدنيا والآخرة إذْ كنتم مُقرِّين بصحة أمرهم ولَم تتَّبعوهم.
وقال الكلبيُّ :(مَعْنَاهُ : أتُحَدِّثُونَهُمْ بمَا قَضَى اللهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابكُمْ أنَّ مُحَمَّداً حَقٌّ وَقَوْلَهُ صِدْقٌ). ومِنْهُ قِيْلَ لِلْقَاضِي : الْفَتَّاحُ. وقال الكسائيُّ : بمَا بَيَّنَهُ اللهُ لَكُمْ. وقال الواقديُّ : بمَا أنْزَلَ اللهُ عَلَيْكُمْ ؛ نظيرهُ :﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ ﴾[الأعراف : ٩٦] ؛ أي أنزلنا. وقال أبو عبيد والأخفش :(بمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ وَأَعْطَاكُمْ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴾ ؛ أي ليخاصموكم ويحتجُّوا بقولِكم عليكم عند ربكم. وقال بعضُهم : هو أن الرجلَ من المسلمين يلقَى قرينَهُ وصديقَهُ من اليهودِ فيسألهُ عن أمرِ مُحَمَّدٍ ﷺ فيقول : إنه حقٌّ وهو نبيٌّ ؛ فيرجعون إلى رؤسائِهم فيلومُونَهم على ذلكَ، وَقِيْلَ : إن كعبَ بن الأشرف وغيرَه من رؤساء الكفار كانوا يقولون لعبدِالله بن أُبَي وأصحابه : إذا أقررتُم بنبوَّةِ هذا النبيِّ وأنَّ ذِكْرَهُ في التوراةِ حقٌّ ؛ تأكَّدت حجتهُ عليكم. وقال مجاهدُ :" إنَّ النَّبيَّ ﷺ سَبَّ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ ؛ فَقَالَ لَهُمْ :[يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازيْرِ، وَيَا عَبَدَةَ الطَّاغُوتِ] فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَنْ أخْبَرَ مُحَمَّداً بهَذَا ؟ مَا سَمِعَهُ إلاَّ مِنْكُمْ ؛ أوْ مَا خَرَجَ إلاَّ مِنْكُمْ! ".
وأصلُ الْفَتْحِ : فَتْحُ الْمُغْلَقِ ؛ ثُم استعملَ في مواضعَ كثيرةٍ من فتح البلدان ؛ وفتحُكَ على القارئِ. وقد يكونُ الفتحُ بمعنى الْحُكْمِ ؛ كما في هذه الآيةِ ومنه قوله :﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا ﴾[الأعراف : ٨٩]. ويسمَّى القَاضي : الفاتِحُ بلغة عُثمانَ. وقد يكون الفتحُ بمعنى النَّصْرِ مثلُ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾[البقرة : ٨٩] أي يطلبونَ النُّصْرَةَ عليهم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ ؛ أي أفليسَ لكم ذِهْنُ الإنسانيَّة.


الصفحة التالية
Icon