وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ ﴾ ؛ أي ومن اليهودِ من لا يُحسن القراءةَ ولا الكتابة إلا أن يحدثهم كبارُهم بشيء فيظنُّونه حقّاً ؛ فيصدقونَهم وهو كذبٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ ﴾. اختلفوا في معنى الأماني، قال الكلبيُّ : مَعْنَاهُ لاَ يَعْلَمُونَ إلاَّ مَا يحدِّثُهم بهِ عُلَمَاؤُهُمْ. وقال أبو رَوْقٍ :(الْقِرَاءَةُ مِنْ ظَهْرِ الْقَلْب وَلاَ يَقْرَءُونَ فِي الْكُتُب) وَدَلِيْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾[الحج : ٥٢] أيْ إلاَّ إذَا قَرَأ ألْقَى الشَّيْطَانُ فِي قِرَاءَتِهِ. قال الشاعرُ : تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أوَّلَ لَيْلَةٍ وَآخِرَهُ لاَقَى حَمَامَ الْمَقَادِروقال مجاهد :(الأَمَانِيُّ الْكَذِبُ وَالأَبَاطِيْلُ ؛ كقولِ عثمانَ رضي الله عنه :(مَا تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أسْلَمْتُ) أيْ مَا كَذَبْتُ). وأراد بالأمانِيِّ الأشياءَ التي كتبَها علماؤُهم من عند أنفسِهم ثم أضافُوها إلى اللهِ تعالى من تغييرِ صفةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقال الحسنُ :(مَعْنَى : يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَالْْبَاطِلَ مِثْلَ قََوْلِهِ :﴿ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ﴾[البقرة : ٨٠] وَقَوْلِهِ :﴿ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى ﴾[البقرة : ١١١] وَقَوْلِهِمْ :﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾[المائدة : ١٨].
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ ؛ أي مَا هُمْ إلاَّ يَظُنُّونَ ظَنّاً وَتَوَهُّماً لاَ حَقِيْقَةً وَيَقِيْناً، قاله قتادةُ والربيع. وقال مجاهدُ : مَعْنَاهُ :(وَإنْ هُمْ إلاَّ يَكْذِبُونَ).


الصفحة التالية
Icon