قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ ؛ أي فَنَقَضَ اليهودُ ميثاقَهم الذي أخذ عليهم في التَّوراةِ فَبَاعَدْنَاهُمْ من الرحَّمةِ، وَقِيْلَ : عَذبْنَاهُمْ بالْجِزيَةِ. وَقِيْلَ : مَسَخْنَاهُمْ قِرَدَةً وخَنَازِيْرَ، ودخولُ (مَا) في هذه الآيَةِ صِلَةُ زائدةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ أي صيَّرنَاها يَابسَةً خاليةٌ من حَلاَوَةِ الإيْمانِ مجازاةً لَهم على معصيتِهم. قرأ يحيَى بن وثَّاب والأعمشُ وحمزة والكسائيُّ :(قَسِيَّةً) بتشديدِ اليَاءِ من غيرِ ألِفٍ، وقرأ الباقون (قَاسِيَةً) بألفٍ وهُما لُغتان، مثلُ زَكِيَّة وَزَاكِيَة، وَقِيْلَ : معنى (قَاسِيَةٍ) : غَلِيْظَةٌ متَكَبرةٌ لا تَقْبَلُ الوعظَ، وَقِيْلَ : رَدِيْئَةٌ فَاسِدَةٌ، من الدَّراهمِ القَسِيَّةِ، وهي المغشوشةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾. قرأ السلَّمي والنخعيُّ : يحرِّفونَ الكلامَ باللَّفِّ ؛ أي يُغَيِّرُونَ ألفاظَهُ ولا يُقِرُّونَهُ على ما هو عليه في التَّوراةِ، كما أخبرَ الله تعالى عنهُم مِن لَيِّ ألسِنَتِهم بالكتاب، وَقِيْلَ : يُغَيِّرُونَ تَأْويْلَه.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ ﴾ ؛ أي وَتَرَكُوا نصِيباً مِمَّا أُمِرُوا به في كتابهم من نَعْتِ مُحَمَّدٍ ﷺ وصفتهِ، ومِنْ رَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وأصلُ النِّسيَانِ التَّرْكُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ ﴾ ؛ أي لا تَزَالُ يا مُحَمَّدُ تَطَّلِعُ على خَائِنَةٍ ومعصيةٍ مِنْهُمْ، وفَاعِلَةٌ من أسماءِ المصادرِ مثل : عَاقِبَةٍ وَكَاذِبَةٍ، وقد تكونُ الخائنةُ من أسماءِ الجماعةِ كما يقالُ : رَافِضٌ ورافِضَةٌ، فيكون المعنى : ولا تزالُ تَطَّلِعُ على فِرْقَةٍ خائنةٍ منهم مثلَ كعب بن الأشرف وأصحابهِ من بني قُريظةَ حين نَقَضُوا العهدَ، ورَكِبُوا إلى أبي سُفيانَ بمكة، ولَقُوهُ وعاهَدوهُ على رسولِ اللهِ ﷺ على ما سَبَقَ ذِكْرهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ ﴾ ؛ لم ينقُضُوا العهدَ، وهم عبدُالله بنُ سَلامٍ وأصحابُه. وقال ابنُ عبَّاس :(مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى (خَائِنَةٍ) أيْ مَعْصِيَةٌ)، وقال بعضُهم : أي كَذِبٌ وفجورٌ، وكانت خيانتُهم بنَقْضِ العهدِ، ومظاهرتُهم المشركينَ على حَرْب رسولِ الله ﷺ وهَمُّهُمْ بقتلهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ﴾ ؛ أي أعْرِضْ عنهُم ولا تعاقِبْهُم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ؛ أي الْمُتَجَاوزيْنَ، وهذا مَنْسُوخٌ بآيةِ السَّيفِ بقولهِ :﴿ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾[التوبة : ٢٩].