قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ قَالُواْ يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا ﴾ ؛ وذلك أنَّ موسَى لَمَّا أمرَهم من قولِ الرَّجُلينِ أن يدخلُوا قريةَ الجبَّارين، قالَتْ لهُ بَنُو إسرائيلَ : أتُكَذِّبُ الْعَشْرَةَ وَتُصَدِّقُ الاثنين، إنَّا لاَ نَدْخُلُهَا أبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا، ﴿ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ ؛ مُنْتَظِرِيْنَ، فقولُهم : اذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ، احتملَ أنَّهم قالوا ذلكَ على وجهِ الْمَجَاز على معنى : وَرَبُّكَ مُعِيْنٌ لكَ، وكان هذا القولُ فِسقاً منهم مِن امتناعِهم عن الْمُضِيِّ إلى أمرِ الله.
وَقِيْلَ : يحتملُ أنَّهم عَنَوا بذلكَ الذهابَ ذهابَ النُّقْلَةِ، وهذا تشبيهٌ وكُفْرٌ مِن قائلهِ، وهو أقربُ إلى معنى كلامِهم ؛ لأنَّ كلامَ اللهِ تعالى خَرَجَ مخرجَ الإنكار عليهم، والتَّعَجُّب من جَهْلِهِمْ.
وعن رسولِ اللهِ ﷺ أنَّهُ لَمَّا أرَادَ الْخُرُوجَ إلَى بَعْضِ الْغَزَوَاتِ اسْتَشَارَ سَعْدَ بْنَ مَعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ذلِكَ ؛ فَقَالاَ :(إنَّا لَنْ نَقُولَ لَكَ مِثْلَ مَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيِلَ لِمُوسَى : إذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَإنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنَّّا نَقُولُ : إذْهَبْ فَقَاتِلْ عَدُوَّكَ إنَّا مَعَكَ مُقَاتِلُونَ).
وفِي بعضِ الرِّواياتِ قالُوا :(أقْعُدْ أنْتَ فَإنَّا بأَمْرِكَ مُقَاتِلُونَ). وقال الْمِقْدَادُ ابنُ الأَسْوَدِ :((إنَّا وَاللهِ لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيْلَ لِمُوسَى :(إذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ) وَلَكِنَّا نَقُولُ : نُقَاتِلُ عَنْ يَمِيْنِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ، وَلَوْ خُضْتَ بنَا الْبَحْرَ لََخُضْنَاهُ مَعَكَ، وَلَوْ عَلَوْتَ جَبَلاً لَعَلَوْنَاهُ مَعَكَ. فَأَشْرَقَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ لِذلِكَ وَسَرَّهٌ)).