قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ ﴾ ؛ أي من تاب من السراق من بعد سرقته وأصلح العمل فيما بينه وبين الله تعالى، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾ ؛ أي يتجاوزُ عنه ولا يؤاخذهُ في الآخرةِ، ولا تقطعُ يده إذا ردَّ المالَ قبل المرافعةِ إلى الحاكمِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ؛ بمن ماتَ على التوبةِ.
وأما إذا رُفع إلى الحاكمِ ثم تابَ فالقطعُ واجبٌ، فإنْ كانت توبتهُ حقيقةً كان ذلك زيادةَ درجاتٍ له، كما أنَّ الله تعالى ابتلَى الصالحين والأنبياءَ بالبلايا والْمِحَنِ والأمراضِ زيادةً لهم في درجاتِهم، وإنْ لم تكن توبتهُ حقيقةً كان الحدُّ عقوبةً له على ذنبهِ، وهو مؤاخَذٌ في الآخرةِ إن لم يتُبْ.
وعن عبدِالله بن عامر قال :" سَرَقَتِ اْمَرَأةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَجَاءُوا بهَا إلَيْهِ، قَالُواْ : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ سَرَقَتْنَا، فَقَالَ قَوْمُهَا : نَحْنُ نَفْدِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :" اقْطَعُوا يَدَهَا " قَالُواْ : نَحْنُ نَفْدِيهَا بِخَمْسِمِائَةِ مِثْقَالٍ، فَقَالَ :" اقْطَعُوا يَدَهَا " فَقُطِعَتْ يَدُهَا الْيُمْنَى، فَقَالَتِ الْمَرْأةُ : هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ :" نَعَمْ إنَّ التَّوْبَةَ تُخْرِجُكِ عَنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمِ وَلَدَتْكِ أمَّكِ " فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ ﴿ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾.
وعن عائشةَ قالت :" كَانَتِ امْرَأةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيْرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بقَطْعِ يَدِهَا، فَأَتَى أهْلُهَا أسَامَةَ فَكَلَّمُوهُ، فَكَلَّمَ النَّبيَّ ﷺ فَقَالَ :" يَا أُسَامَةُ لاَ أرَاكَ تُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ " ثُمَّ قَامَ خَطِيباً فَقَالَ :" إنَّمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ بأَنَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " أعَاذهَا اللهُ مِنْ ذلِكَ، فَقَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ.