وقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ ؛ معناه : أنزَلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ، وبأن تحكُمَ بين اليهودِ بما أنزلَ اللهُ من رجمِ الزانِي المحصِن، والقِصاصِ بين الشَّريف والوضيعِ، ولا تعمَلْ بهواهُم في الْجَلْدِ، وتركِ الرَّجمِ، ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ ؛ أي أن يَستَزِلُّوكَ عن بعضِ ما بيَّن اللهُ في كتابهِ.
قال ابنُ عبَّاس :(وَذلِكَ أنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِير مِثْلَ ابْنِ صُوريَّا وَكَعْب بْنِ أسَدٍ وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا فِيْمَا بَيْنِهِمْ : اذْهَبُوا بنَا إلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَإنَّمَا هُوَ بَشَرٌ! فَأَتَوْهُ فَقَالُواْ لَهُ : يَا مُحَمَّدُ إنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أنَّا أحْبَارُ الْيَهُودِ وَأشْرَافُهُمْ وَسَادَاتُهُمْ، وَإنَّا إنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَكَ كُلُّهُمْ وَلَنْ يُخَالِفُونَا، وَإنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا خُصُومَةً فَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْكَ فَاقْضِ لَنَا عَلَيْهِمْ فَنُؤْمِنُ بكَ، فَأَبَى النَّبيُّ ﷺ، وَكَانَ حَرِيصاً عَلَى إسْلاَمِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾.).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم ﴾ ؛ أي إنْ أعرَضُوا عن حُكمِكَ، فاعلم إنَّما يريدُ الله أنْ يُعَاقِبَهم بالقتلِ في بني قُريظَةَ، وَبالْجَلاَءِ إلَى الشَّامِ فِي بَنِي النَّضِيرِ، ﴿ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ﴾ ؛ أي بمَا سلَفَ من ذُنوبهم، وهو جُحودهم لدِينِكَ ونَعْتِكَ وصفتِكَ والتوراةِ والإنجيلِ، ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ ؛ أي خارجون عن الطاعةِ ناقِضُون للعهدِ.


الصفحة التالية
Icon