قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ﴾ ؛ قرأ أهلُ المدينةِ والشام (يَرْتَدِدْ) بدالين، وفي الآيةِ تهديدٌ لِمَن لا ثباتَ له على الإيمانِ. قال ابنُ عبَّاس :(هُمْ أسَدُ وَغَطَفَانَ وَأَنَاسٌ مِنْ كِنْدَةَ، ارْتَدُّواْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبيِّ ﷺ فِي عَهْدِ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه).
وَكَانَ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ فِرْقَةٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو حَنِيْفَةَ بالْيَمَامَةِ، وَرَئِيسُهُمْ مُسَيْلَمَةُ الْكَذابُ وَكَانَ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ، وَزَعَمَ أنَّهُ أشْرِكَ مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي النُّبُوَّةِ، وَكَتَبَ إلَى النَّبيِّ ﷺ :" مِنْ مُسَيْلَمَةَ رَسُولِ اللهِ إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ؛ أمَّا بَعْدُ : فَإنَّ الأَرْضَ نَصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لَكَ! وَبَعَثَ بذَلِكَ رَجُلَيْنِ مِنْ أصْحَابهِ نَهْشَلاً وَالْحَكَمَ بْنَ الطُّفَيْلِ، وَكَانَا مِنْ سَادَاتِ الْيَمَامَةِ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبيُّ ﷺ :" أتَشْهَدَانِ أنَّ مُسَيْلَمَةَ رَسُولُ اللهِ ؟ " قَالاَ : نَعَمْ، فَقَالَ :" لَوْلاَ أنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أعْنَاقَكُمَا "، ثُمَّ أجَابَ :" مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلَى مُسَيْلَمَةَ الْكَذاب ؛ أمَّا بَعْدُ : فَإنَّ الأَرْضَ للهِ يُورثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ".
ومَرِضَ رسولُ اللهِ ﷺ وتوفِّيَ، وجعلَ مسيلمةُ يغلو أمرهُ باليمامةِ يوماً بعدَ يومٍ، فبعثَ أبو بكرٍ رضي الله عنه خالدَ بن الوليدِ في جيشٍ عظيم حتى أهلكَهُ الله على يدي وحشيٍّ قاتِلِ حمزةَ بن عبدِ المطلب بعد حربٍ شديدة، فكان وحشيُّ يقول :(قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ فِي الإسْلاَمِ).
ومن المرتدِّين أيضاً طلحةُ بن خُوَيلِد رئيسُ بني أسدٍ، وكان قد ادَّعى النبوةَ أيضاً في حياةِ رسول الله ﷺ، فقاتلَهُ أبو بكرٍ رضي الله عنه بعد وفاةِ رسول الله ﷺ، بعثَ إليه خالدَ ابن الوليدِ، فقاتلَهُ قتالاً شديداً، وهربَ طلحةُ على وجههِ نحوَ الشامِ، فلجأَ إلى بني حنيفةَ فأجاروهُ، ثم أسلَمَ بعد ذلك وحسُنَ إسلامهُ.
وارتدَّ أيضاً بعد وفاةِ رسول الله ﷺ كثيرٌ من العرب منهم : فَزَارَةُ ورئيسهم عُيينة بن حصين، وبنو سُليم وبنو يربوعَ، وطائفةٌ من بني تَميم، ورأسُوا عليهم امرأةً يقال لها سَجَاحُ بنت المنذر، وادَّعتِ النبوةَ ثم زوَّجت نفسَها من مسيلمةَ الكذاب.
وارتدَّت كندةُ ورئيسهم الأشعثُ بن قيسٍ، وارتدَّت بنو بكرِ بن وائل بأرضِ البحرين، وكَفى اللهُ المسلمين أمرَ هؤلاء المرتدِّين، ونصرَ دينَهُ على يدِ أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه، وأخبارُ أهلِ الردَّة طويلةٌ مشهورة فلا نطوِّلُ بذكرِها الكتابَ.
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ ؛ قال عليُّ والحسن وقتادة :(هُمْ أبُو بَكْرٍ وَأصْحَابُهُ)، وقال مجاهدُ :(هُمْ أهْلُ الْيَمَنِ).