قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ؛ معنى الآيةِ : إنَّ الذين آمَنُوا بألسِنَتِهم ولم تؤمِنْ قلوبُهم، والذين مَالُوا عن الإسلامِ وسُمُّوا باليهوديَّة، والذين صَبَتْ قلوبُهم، وهم صِنْفٌ من النصارَى يقال لهم السَّابحون يحلقون أوساطَ رُؤوسِهم.
ويقال : الصَّابئُ هو الخارجُ من ملَّة فيها أمةٌ عظيمة إلى ملَّة فيها شرذمةٌ قليلة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾ أي من آمَنَ من هذه الفرقِ بالله وبجميعِ ما أنزل اللهُ، والبعثِ بعد الموتِ، وعَمِلَ صالحاً فيما بينَهُ وبين اللهِ، فلا خوفٌ عليهم، حيث يخافُ أهلُ النار، ولا هم يحزَنون حيث يحزنُ أهل النار.
وأما الرفعُ في قولهِ :(وَالصَّابئُونَ) : فقال الكسائيُّ : هو نسَقٌ على المضمرِ في (هَادُوا) تقديرهِ : هادُوهم والصائبون. وقال الخليلُ وسيبويه والبصريُّون قوله :﴿ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ ﴾ مرفوعٌ بالابتداءِ ؛ تقديرهُ : إنَّ الذين آمَنُوا ومن آمَنَ مِن الذين هَادُوا والصابئون والنصارَى، مَن آمَن بالله واليوم الآخرِ. وَقِيْلَ : إنما رُفِعَ لأنه عُطِفَ على (الَّذِينَ) قبل دخولِ (إنَّ) ؛ لأنه لا يُحِدثُ معنى، كما تقولُ : زيدٌ قائمٌ، وإنَّ زَيداً قَائِمٌ معناهُما واحدٌ. وقرأ الحسنُ :(إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتُهُ) برفع التاءِ.
وأما نفيُ الحزنِ عن المؤمنين ها هنا، فقد ذهبَ بعض المفسِّرين إلى أنه لا يكون عليهم حزنٌ في الآخرةِ ولا خوفٌ، ونظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ ﴾[فصلت : ٣٠].
وقال بعضُهم : إنَّ المؤمنين يخافون ويحزَنون لقولهِ تعالى :﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ ﴾[الحج : ٢] وقولهُ تعالى :﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴾[عبس : ٣٤-٣٥]. وقال ﷺ :" يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً " فَقَالَتْ عَائِشَةُ : وَاسَوْأتَاهُ! فَقَالَ ﷺ :" أمَا سَمِعْتِ قَوْلَهُ تَعَالَى :﴿ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ " قالُوا : وإنما نفَى اللهُ تعالى في هذه الآيةِ الحزنَ عن المؤمنين ؛ لأن حزنَهم لِما كان يعرض الزوالَ، ولم يكن له بقاءٌ معهم لم يعتدَّ بذلك.


الصفحة التالية
Icon