قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ ؛ أي لو أرسَلنا إليهم رسُولاً من الملائكةِ لأرسلناهُ في صورةِ الإنسان ؛ لأنَّهم لا يستطيعون النظرَ إلى الملائكَةِ ؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى هلاكِهم ؛ وليكونَ الشكلُ إلى الشكلِ أميلَ، وبه الذهن إلى الفهمِ عنه أقربَ، وإلى القَبول منه أسرع، ولو نظرنا إلى الْمَلَكِ على هيبتهِ لصُعِقْنَا.
وقد كانتِ الملائكةُ تأتِي الأنبياء فِي صورة الإِنسانِ ؛ من ذلك أنَّ جبريلَ عليه السلام كان يأتِي النبِيَّ ﷺ في صورةِ دحية الْكَلْبِيَّ، وجاءتِ الملائكةُ إلى إبراهيمَ عليه السلام في صورةِ الضَّيفين، وجاءتِ الملائكةُ إلى داودَ عليه السلام في صورة رَجُلَيْنِ يختصمان إليه، وذلكَ قََوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ﴾ أي لو أنزلنا إليهم مَلَكاً لجعلنا ذلكَ في صورةِ الرَّجُلِ أيضاً.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ أي اخْتَلَطْنَا وشَبَّهْنَا عليهم ما يَخْلُطُونَ على أنفسِهم حتى شَكُّوا ؛ فلا يدرونَ أمَلَكٌ هو أم رجُلٌ ؟ وهذا لأنَّهم أنكرُوا نبوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ بعدَما عرفُوه بالصدقِ والأمانةِ، ثم لَبَسُوا على أنفسهم وعلى ضَعَفَتِهِمْ ؛ فقالوا : إنَّما هو بَشَرٌ، فلو نزلَ الملَك على صورةِ رجلٍ لَلَبَسُوا على أنفسهم أيضاً فلم يقبلُوا منه وقالوا : إنهُ في مِثْلِ صورَتنا!


الصفحة التالية
Icon