قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ﴾ ؛ معناه : قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ما يقولُ كفارُ مكَّة من تكذيبهم إيَّاك في العلانيةِ وجُحودِهم باللهِ، ﴿ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ﴾ ؛ في السرِّ ولا بقلوبهم ؛ أي هم يعلمُونَ أنك صادقٌ وكنتَ تُسمَّى فيهم (الأمينُ) قبل الرسَالة، فلا يحْزُنُكَ تكذيبُهم إيَّاك فيما يعلمون صدقكَ فيه، ﴿ وَلَـاكِنَّ الظَّالِمِينَ ﴾ ؛ المشركين، ﴿ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ ؛ بألسنتهم ما تَشْهَدُ به قلوبُهم بكذبهم فيه.
وقال السُّدِّيُّ :(الْتَقَى الأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْق وَأبُو جَهْلٍ ؛ فَقَالَ الأَخْنَسُ لأَبي جَهْلٍ : يَا أبَا الْحَكَمِ ؛ أخْبرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ أصَادِقٌ هُوَ أمْ كَاذِبٌ ؛ فَإِنُّهُ لَيْسَ هَا هُنَا أحَدٌ يَسْمَعُ كَلاَمَنَا ؟ فَقَالَ أبُو جَهْلٍ : وَاللهِ إنَّ مُحَمَّداً لَصَادِقٌ ؛ وَمَا كَذبَ مُحَمَّدٌ قَطٌّ، وَلَكِنْ إذا ذهَبَ بَنُو قُصَيٍّ باللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابَة وَالنُّبُوَّةِ ؛ فَمَاذا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِه الآيَةَ). وقال :(مَعْنَى :(لاَ يُكَذِّبُونَكَ) لاَ يَقْدِرُونَ أنْ يَقُولُوا لَكَ فِيْمَا أنْبَأْتَ بهِ مِمَّا فِي كُتُب الأَنْبيَاءِ قَبْلَكَ : كَذبْتَ!.
وقرأ نافع والكسائيُّ :(يَكْذِبُونَكَ) بالتخفيفِ. ومعناهُ : لا يجدونَكَ كاذباً، يقال : كَذبتَ فُلاناً بالتشديد إذا قُلْتَ له : كَذبْتَ، وأكْذبْتَ فُلاناً ؛ إذا رأيتَ ما أتَى به كَذِباً. وقرأ نافعُ (لَيُحْزِنُكَ) بضمِّ الياء، والمعنى واحدٌ.


الصفحة التالية
Icon