قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ ﴾ ؛ أي إنْ كان عَظُمَ وثَقُلَ عليكَ يا مُحَمَّدُ إعراضُهم عن القبولِ منكَ وقولُهم : لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ، وسؤالُهم كلَّ معجزةٍ شاءُوا، ﴿ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ﴾ ؛ فَإن اسْتَطَعْتَ أنْ تطلبَ مَسْلَكاً نافذاً فِي الأرْضِ ؛ كنفقِ الْيَرْبُوعِ، فتدخلَه هارباً متوارياً ؛ أوْ تطلبَ شيئاً يُسْلِمُكَ إلى السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بالآية التي سألُوكها، فَافَْعَلْ، وليس فِي الْقُرْآنِ فَافْعَلْ ؛ لأنه قد يُحْذفُ ما يكونُ في الكلام دَلِيلاً عليه مثل قولِ الرجُل : إن رأيتَ أن تَمضي معي إلى فلانٍ، ولا يذكرُ فافعل.
وقد بَيَّنَ اللهُ تعالى في هذه الآيةِ : إنَّ ما تأتِي من الآياتِ بمَا أحبُّ، وإنَّ رسولَ الله ﷺ بَشَرٌ لا يقدرُ على الإِتيان إلا بمَا شاءَ اللهُ، وكان قد عَلِمَ أنه لو أنْزَلَ عليهم الْمَلَكَ وكلَّ آية سألُوها لم يُؤْمِنُوا، فلم يُنْزِلْ إلا ما تَثْبُتُ به الحجَّة عليهم، فَتُؤْجَرُ بالصبرِ والثَّبات على الإيْمانِ بالآية.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ﴾ ؛ أي لو شاءَ اللهُ لاضْطَرَّهُمْ إلى الإِيْمان كما قال :﴿ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾[الشعراء : ٤]. وقيلَ : معناهُ : ولو شاءَ اللهُ لأَطْبَقَهُمْ على الْهُدَى. وقيل : لَوَفَّقَهُمْ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ ؛ أي لاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ بتركِ الصَّبر وإظهَار الْجَزَعِ ؛ واستشعار الغَمِّ لإعراضِهم عنك، فإن هذا من فِعَالِ الجاهلين. ويقال : معناهُ : لاَ تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ بَمقْدُوري عليهم.


الصفحة التالية
Icon